مجلة تراثنا - مؤسسة آل البيت - ج ٢٢ - الصفحة ٢٢
إليه، ثم يأتي بالحديث من قبل نفسه! إن حديثكم هو شر الحديث، وإن كلامكم هو شر الكلام.
من قام منكم، فليقم بكتاب الله، وإلا فليجلس، فإنكم قد حدثتم الناس حتى قيل. " قال فلان، وقال فلان " وترك كتاب الله (16).
إن ظاهر هذه الخطبة المنع عن حديث المتكلمين خلال القرآن، ولم يصرح فيه بالمنع عن حديث رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، لكن يمكن فهم المراد منه، بعد ملاحظة أمور:
1 - إيراد ابن شبة لهذه الخطبة في سياق ما نقله من منع عمر للصحابة عن نقل الحديث والرواية عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.
2 - ظهور الخطبة - وخاصة الفقرة الأخيرة منها - في تأكيد عمر على ترك كل حديث ما سوى كتاب الله، وهو نفس المقولة المعروفة عن عمر " حسبنا كتاب الله "، ويؤدي مؤداها، ومن الواضح أن عمر إنما كان يردد تلك المقولة " حسبنا كتاب الله " في مقابل الحديث وروايته، كما يظهر من تعليله المنع عن الحديث بالمحافظة على القرآن وخوف تركه والاشتغال بغيره، وهو ما عرفناه مكررا في أحاديثه التي تضمنت منع التدوين، كقوله: إني لا البس كتاب الله بشئ أبدا " (17).
3 - إن حسن الظن بالمحدثين، وبالمسلمين في ذلك العصر، يقتضي أن يكون الشئ الذي ينقله المحدثون خلال قراءتهم للقرآن الكريم، وإلى جنب آياته، وبحيث يقبله المسلمون إذا استمعوا إليه، شيئا مقدسا، وحقا، لا كل كلام صدر من أي أحد، وبأي محتوى!.
أفهل يعقل من معلمي القرآن - ولا بد أن يكون فيهم مجموعة من الصحابة إن لم يكن كلهم منهم، ومجموعة من كبار التابعين - أن يقرأوا القرآن، ويحدثوا الناس في أثناء تلاوتهم بأشياء باطلة، وبأشياء تكون " شر الحديث " كما يعبر عنها عمر!!

(16) أخبار المدينة المنورة 3 / 800.
(17) تقييد العلم: 49.
(٢٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 17 18 19 20 21 22 23 24 25 26 27 ... » »»
الفهرست