زعماء مكة - الشيخ نجاح الطائي - الصفحة ٣
المرجح الثالث: وهناك مرجح عقلي كذلك، وهو أن الله سبحانه وتعالى بعد إخراج آدم من الجنة. لا يعقل أن يتركه من غير أن يعلمه مراسم عبادية تتناسب موقعه الجديد حتى يأنس بها ويروي غريزة العبودية لله تعالى. وعلى قول الشهيد الصدر (رضي الله عنه) (1) أن العبادة حاجة إنسانية ثابته في نفس الإنسان في جانبها الحسي المعنوي. والقبلة والحج من أبرز المظاهر العبادية الحسية والمعنوية. فما المانع أن يكون البيت الحرام ولد مع آدم (عليه السلام) ليلبي تلك الحاجة. ونحن نعلم ما للحج من فضيلة وأثر في هذا المجال. فقد ورد عن الباقر (عليه السلام) (2): " لا زال الدين قائما ما قامت الكعبة ".
وإن القرآن الكريم قرن ترك الحج بالكفر إذ قال تعالى: (وعلى الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا. ومن كفر فإن الله غني عن العالمين) (3) وغير هذا كثير.
وإذا ثبت هذا عند ذلك نقول أن زعامة مكة بدأت بآدم (عليه السلام) وبأوصياءه من بعده. إلى أن دب الفساد في بني آدم. عند ذلك هجروا الكعبة.
وبقيت مهجورة من زمن نوح (عليه السلام) بعد الطوفان. من غير زعامة ولا سكن إلى أن جاء إبراهيم (عليه السلام) فأعاد بناءها وجدد مناسكها. وظهر ماء زمزم فيها. ثم بقيت قائمة شامخة تهوي إليها أفئدة من الناس إلى يومنا هذا.
الأهمية المعنوية ولعله الأهم في هذا الباب. لأنها الدافع الأول للتنافس على زعامتها ولأن غالبا ما تمتد الزعامة المعنوية إلى أبعد من مكة والجزيرة لتشمل العالم كله. ولأهمية زعامتها هذه نجد كثير من الأحيان أن يتقاسم هذه الزعامة مجموعة من الوجوه أو القبائل كل له جانب من جوانب تلك الزعامة وسميت بأسماء بقيت موضع فخر لمن حاز طرفا من تلك الزعامة. وأحيانا يزداد عدد الزعماء والمهام فيتألف بذلك نظام حكومي أشبه ما يكون بالجمهوريات المعاصرة.
وتعود أهمية مكة المعنوية كونها المنطلق الأول للبناء التكويني للحضارة الإنسانية. وكذلك البناء التشريعي حيث عرف الإنسان أول الشرائع على يد آدم (عليه السلام) في مكة المكرمة. وأضيفت إليها تشريعات جديدة كلما تجددت الحياة.
وعندما تحرك الإنسان من هذه الأرض حمل معه ميراثه من هذه الشرائع. إلا أنه للأسف الشديد عمل تغيرها وتحريفها تدفعه إلى ذلك المصالح الشخصية والأهواء

(1) الفتاوي الواضحة ص 597.
(2) علل الشرائع للشيخ الصدوق ص 396.
(3)
(٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « 1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 ... » »»