الامامة ذلك الثابت الإسلامى المقدس - الشيخ جلال الصغير - الصفحة ٧٩
لوجدوا فيه اختلافا كثيرا) (١) فمن اللازم أن نعتقد أن تعميمات القرآن تفضي إلى خصوصياته، والعكس صحيح أيضا حيث تؤدي خصوصياته إلى عمومياته، وهذه من لوازم عملية الهدى التي أنزل القرآن الكريم كي يكون أطارها الروحي والفكري، وما دام أن القرآن قد طرح شيئا من هذا وشيئا من ذلك، فلا بد وأن نخوض في عبابه كي نستدل على حقيقة الأمر منه.
وبعد ذلك فلا يمكننا أن نمر على الآيات القرآنية التي تحدثت عن الإمامة مرور الكرام، وتستوقفنا الآية الكريمة: ﴿وإذ ابتلى إبراهيم ربه بكلمات فأتمهن قال إني جاعلك للناس إماما قال ومن ذريتي قال لا ينال عهدي الظالمين﴾ (2) لتطرح عدة من مشخصات خط الإمامة، حيث نلحظ هنا أن مقامها الرباني أرفع من النبوة، (3) فالجعل الإلهي الذي

١ - النساء: ٨٢.
٢ - البقرة: ١٢٤.
٣ - لا بد من توقف هنا عندما يعتقده فضل الله وتحدث عنه في مواضع متعددة من كتبه من أن كل نبي إمام * وعلى الرغم من وضوح المفارقة بين هذا المعتقد، وبين ما يعتقده أهل البيت (صلوات الله عليهم)، غلا أننا نماشي الرج في تفكيره كي نلحظ معا مستوى الإسفاف في كفره ومعتقده، فمن الواضح هنا أن الجعل الإلهي المشار إليه في الآية الكريمة كان قد تحقق بعد أن وصل إبراهيم بنبوته الدراجات العليا الكاملة وهي التي تعبر عنها الآية الكريمة بقوله تعالى: (فأتمهن) فلقد جعلت الإمامة لإبراهيم بعد أن مر بمرحلة إتمام الكلمات الإلهية التي ابتلاه بها ربه، وهذه المرحلة إنما كانت في أواخر عمره الريف بدليل قوله: (ومن ذريتي) فطلبه الإمامة لذريته، إنما كان بعد أن رزق بهذه الذربة، وواضح أن إبراهيم كان قد رزق الذرية في مشيخته بعد تحقق نبته، وهذا ما يظهره بوضوح في الآية الكريمة: (وامرأته قائمة فضحكت فبشرناها بإسحاق ومن وراء إسحاق يعقوب. قالت يا وليتي أألد وأنا عجوز وهذا بعلي شيخا إن هذا لشئ عجيب) [هود: ٧١ - ٧٢]، وهذا الأمر قد تحقق إبان مجيئ ضيف إبراهيم من الملائكة حال مرورهم لتدمير قرى قوم لوط، ولا أحسب إن فضل الله سيقول أن النبي آنذاك لم يكن مبعوثا، فهو يعتبر إبراهيم المسؤول التنظيمي في حزب المساء!) للوط * * وعندئذ فإن هذا الجعل إنما تم بعد النبوة، ولو كانت النبوة أي نبوة مدعاة للإمامة كما يرى فضل الله، فمن اللازم أن يكون إبراهيم هنا إماما قبل ذلك فما معنى الجعل، ولو عكسنا الأمر فالشأن سيان، لأنه لو كانت الإمامة تساويه مع النبوة فيا ترى ماذا كان إبراهيم قبل أن يجعل أماما؟ لو غدا إماما فمتى أصبح نبيا!!.
على أن من الواضح أن تاريخ الأنبياء قد حفل بوجود أكثر من نبي في نفس الموضع والتأريخ والرسالة، وما نجد في وجود إبراهيم مع إسحاق، وإبراهيم مع إسماعيل، وإبراهيم مع لوط، وإسحاق مع يعقوب، ويعقوب مع يوسف، وهارون مع موسى، وسلمان مع داود، وغيرهم الكثير [على نبينا وآله وعليهم أفضل الصلاة والسلام]، فماذا سيكون حكم التعدد هنا، فإن قال: لم يكونوا أنبياء فإن يكذب القرآن والسنة الصحيحة والصريحة، وهنا لن ينفع التشبيه فإمامة الحسن والحسين (صلوات الله عليهما) لأن ذلك يقتضي التعاقب الزمني أي أن إمامة أحدهما لتكون تابعة للآخر، ولا تتفعل غلا بعد الرحيل الوجودي لا المكاني للأول منهما، في الوقت الذي نجد أن هذا الأمر لا يصح مع وجود إبراهيم ومع ثلاثة أنبياء على الأقل هم إسحاق ولوط وإسماعيل، ومع وجود هارون وموسى، خصوصا وأن قصة هارون وموسى فيها من الدلالة على زيف هذه الفكرة وما يكفي لفضحها، ولذلك لأن هارون توفي في زمن موسى، والقصة بنفسها تفضح ما لو أدى بأن أولئك الأنبياء كانوا في أماكن متعددة، مما يقتضي تعدد الأنبياء - الأئمة، ورغم الوهن الواضح في ذلك، إلا أننا نجد أن هارون لم يفارق موسى في المكان (اللهم إلا إبان ذهابه إلى الطور) الأمر الذي يجعلنا نتساءل عن المصداقية المتوخاة من إمامة هارون طالما وأن إمامته لن تفعل مطلقا، ولم يجد لها هارون متنفسا يفعلها على الصعيد الرسالي ولا قيمة لما حاول التخلص منه في طبعته الجديدة من تفسيره فقال إن الإمامة تعتبر السنة المتحركة للنبي في حياته، فكانت النبوة والرسالة تنطلق أنت في اتجاه المهمة التي كلفه الله بها، بينما كانت الإمامة تتحرك في اتجاه اعتباره قدوة وقاعدة لمن أراد الاقتداء به والانطلاق من القاعدة الإيمانية المتجسدة، وبذلك يظهر كيف تتأخر الإمامة عن النبوة.
* * * ولو أفرغنا ما في هذا الكلام من حشو كلامي فإنه في هذا الكلام يناقض نفسه من جهة، ويناقض الفكر الإسلامي من جهة ثانية، فالتأخر - أي تأخر - بين الإمامة والنبوة يلزم بوجود تفاوت بين الدورين، مما يوقعه في تناقض، أما ما أعطاه الرجل من دور للإمام وهو بمعنى الاقتداء فهو نفسه الممنوح إسلاميا للنبي والرسول، فمن قال أن النبي ليس له دور القدوة والقرآن لا يتحدث بصراحة عن ذلك فحسب، بل إنه يعطي هذا الدور حتى للمؤمنين وذلك كما يظهر من قوله تعالى: (قد كانت لكم أسوة حسنة في إبراهيم والذين معه) [الممتحنة: ٤] لو يمكن بأي حال تصور إمكانية أن يقال أن عصمة الأنبياء، فما المائر إذ بين الدورين حتى يمكننا القول بإمكانية التأخر للإمامة عن النبوة؟.
* أنظر كتاب حوارات في الكر والسياسية والاجتماع: ٥٠٢ - ٥٠٣، وكتاب للإنسان والحياة: ٣١٢، ومجلة المعارج العدد ٢٨ - ٣١ ص ٦٨٠ - ٦٨١، وجريدة فكر وثقافة العدد: ٦٦ ومن وحي القرآن ٣: ١٦ من الطبعة الجديدة.
* * من شريط مسجل بصوته.
* * * من وحي القرآن 3: 19.
(٧٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 73 75 76 77 78 79 80 81 82 83 84 ... » »»
الفهرست