أصل الشيعة وأصولها - الشيخ كاشف الغطاء - الصفحة ٢٨٢
جديد.
ولا يعتبر عندنا في الرجعة حضور الشاهدين كما يعتبران في الطلاق، وإن استحب ذلك (1). ولا يعتبر فيها لفظ مخصوص، بل يكفي كل ما دل عليها حتى الإشارة، وتعود زوجته له كما كانت.

(١) أهدى إلينا هذا العام العلامة المتبحر الأستاذ أحمد محمد شاكر، القاضي الشرعي بمصر أيده الله مؤلفة الجليل: (نظام الطلاق في الاسلام) فراقني وأعجبني، ووجدته من أنفس ما أخرجه هذا العصر من المؤلفات، فكتب إليه كتابا نشره هو حفظه الله في مجلة (الرسالة) الغراء (عدد ١٥٧) بعد تمهيد مقدمة قال فيها:
ومن أشرف ما وصل إلي وأعلاه، كتاب كريم من صديقي الكبير، وأستاذي الجليل، شيخ الشريعة، وإمام مجتهدي الشيعة بالنجف الأشرف، العلامة الشيخ محمد حسين آل كاشف الغطاء، فقد تفضل حفظه الله بمناقشة رأيي في مسألة من مسائل الكتاب، وهي (مسألة اشتراط الشهود في صحة مراجعة الرجل مطلقته) فإنني ذهبت إلى: اشتراط حضور شاهدين حين الطلاق، وأنه إذا حصل الطلاق في غير حضرة الشاهدين لم يكن طلاقا، ولم يعتد به. وهذا القول وإن كان مخالفا للمذاهب الأربعة المعروفة، إلا أنه يؤيده الدليل، ويوافق مذهب الأئمة من أهل البيت والشيعة الإمامية.
وذهبت أيضا إلى اشتراط حضور شاهدين حين المراجعة، وهو يوافق أحد قولين للإمام الشافعي يخالف مذهب أهل البيت والشيعة، واستغربت من قولهم أن يفرقوا بينهما، والدليل واحد فيهما، فرأى الأستاذ بارك الله فيه أن يشرح لي وجهة نظرهم في التفريق بينهما فقال: بسم الله الرحمن الرحيم وله الحمد والمجد من النجف الأشرف (٨ صفر ١٣٥٥) إلى مصر.
لفضيلة الأستاذ العلامة، المتبحر النبيل، الشيخ أحمد محمد شاكر المحترم أيده الله.
سلامة لك وسلام عليك.
وصلتني هديتك الثمينة (رسالة نظام الطلاق في الاسلام) فأمعنت النظر فيها مرة، بل مرتين، إعجابا وتقديرا لما حوته من غور النظر، ودقة البحث، وحرية الفكر، وإصابة هدف الحق والصواب، وقد استخرجت لباب الأحاديث الشريفة، وأزحت عن محيا الشريعة الوضاء أغشية الأوهام، وحطمت قيود التقليد الذميمة، وهياكل الجمود بالأدلة القاطعة، والبراهين الدامغة، فحياك الله، وحيا ذهنك الوقاد، وفضلك الجم.
وأمهات مباحث الرسالة ثلاث:
(١) طلاق الثلاث.
(٢) الحلف بالطلاق والعتاق.
(٣) الإشهاد على الطلاق.
وكل واحدة من هذه المسائل قد وفيتها حقها من البحث، وفتحت فيها باب الاجتهاد الصحيح على قواعد الفن، ومدارك الاستنباط القويم، من الكتاب السنة، فانتهى بك السير على تلك المناهج القويمة إلى مصاف الصواب، وروح الحقيقة، وجوهر الحكم الإلهي، وفرض الشريعة الاسلامية، وقد وافقت آراؤك السديدة في تلك المسائل ما اتفقت عليه الإمامية من صدر الاسلام إلى اليوم، ولم يختلف منهم اثنان، حتى أصبحت عندهم من الضروريات.
كما اتفقوا على عدم وجوب الإشهاد على الرجعة، مع اتفاقهم على لزومه في الطلاق، بل الطلاق باطل عندهم بدونه.
وقد ترجح عندك قول من يقول بوجوب الإشهاد فيهما معا، فقلت (في صفحة ١٢٠):
وذهبت الشيعة إلى وجوب الإشهاد في الطلاق، وأنه ركن من أركانه كما في كتاب (شرائع الاسلام) ولم يوجبوه في الرجعة، والتفريق بينهما غريب ولا دليل عليه، إنتهى.
وفي كلامك هذا أيدك الله نظر، أستميحك السماح في بيانه، وهو: إن من الغريب حسب قواعد الفن مطالبة النافي بالدليل والأصل معه، وإنما يحتاج المثبت إلى الدليل، ولعلك ثبتك الله تقول: قد قام الدليل عليه، وهو ظاهر الآية على ما ذكرته في صفحة (١١٨) حيث تقول: والظاهر من سياق الآية إن قوله تعالى [وأشهدوا] راجع إلى الطلاق والى الرجعة معا.. إلى آخر ما ذكرت.
وكأنك أنار الله برهانك لم تمعن النظر هنا في الآيات الكريمة كما هي عادتك من الامعان في غير هذا المقام، وإلا لما كان يخفى عليك أن السورة الشريفة مسوقة لبيان خصوص الطلاق وأحكامه، حتى أنها قد سميت بسورة الطلاق، وابتدأ الكلام في صدرها بقوله تعالى: [إذا طلقتم النساء] ثم ذكر لزوم وقوع الطلاق في صدر العدة، أي لا يكون في طهر المواقعة ولا في الحيض، ولزوم إحصاء العدة، وعدم اخراجهن من البيوت، ثم استطرد إلى ذكر الرجعة من خلال بيان أحكام الطلاق، حيث قال عز شأنه: [فإذا بلغن أجلهن فأمسكوهن بمعروف] أي إذا أشرفن على الخروج من العدة فلكم إمساكهن بالرجعة أو تركهن على المفارقة، ثم عاد إلى تتمة أحكام الطلاق، فقال: [وأشهدوا ذوي عدل منكم] أي في الطلاق الذي سبق الكلام لبيان أحكامه.
ويستهجن عوده إلى الرجعة التي لم تذكر إلا تبعا واستطرادا، ألا ترى لو قال القائل: إذا جاءك العالم وجب عليك احترامه وإكرامه، وأن تستقبله سواء جاء وحده أو مع خادمه أو رفيقه، ويجب [عليك] المشايعة وحسن الموادعة، فإنك لا تفهم من هذا الكلام إلا وجوب المشايعة والموادعة للعالم لا له ولخادمه ورفيقه، وإن تأخرا عنه. وهذا لعمري حسب القواعد العربية والذوق السليم جلي واضح، لم يكن ليخفى عليك وأنت خريت العربية لولا الغفلة، والغفلات تعرض للأريب.
هذا من حيث لفظ الدليل وسياق الآية الكريمة، وهنالك ما هو أدق وأحق بالاعتبار، من حيث الحكمة الشرعية، والفلسفة الاسلامية، وشموخ مقامها، وبعد نظرها في أحكامها، وهو: أن من المعلوم أنه ما من حلال أبغض إلى الله سبحانه من الطلاق، ودين الاسلام كما تعلمون جمعي اجتماعي، لا يرغب في أي نوع من أنواع الفرقة، ولا سيما في العائلة والأسرة، وعلى الأخص في الزوجية بعد ما أفضى كل منهما إلى الآخر بما أفضى. فالشارع بحكمته العالية يريد تقليل وقوع الطلاق والفرقة، فكثر قيوده وشروطه على القاعدة المعروفة من أن الشئ إذا كثرت قيوده عز، أو قل وجوده، فاعتبر الشاهدين العدلين للضبط أولا، وللتأخير والاناءة ثانيا، وعسى إلى أن يحضر الشاهدان أو يحضر الزوجان أو أحدهما عندها يحصل الندم، ويعودان إلى الألفة كما أشير إليه بقوله تعالى: [ولا تدري لعل الله يحدث بعد ذلك أمرا] وهذه حكمة عميقة في اعتبار الشاهدين لا شك أنها ملحوظة للشارع الحكيم، مضافا إلى الفوائد الأخر.
وهذا كله بعكس قضية الرجوع فإن الشارع يريد التعجيل به، ولعل للتأخير آفات، فلم يوجب في الرجعة أي شرط من الشروط تصح عندنا معشر الإمامية بكل ما دل عليه من قول أو فعل أو إشارة.
ولا يشترط فيها صيغة خاصة كما يشترط في الطلاق، كل ذلك تسهيلا لوقوع هذا الأمر المحبوب للشارع الرحيم بعباده، والرغبة الأكيدة في ألفتهم وعدم تفرقهم. وكيف لا يكفي في الرجعة حتى الإشارة ولمسها ووضع يده عليها بقصد الرجوع، وهي أي المطلقة الرجعية عندنا معشر الإمامية لا تزال زوجة إلى أن تخرج من العدة، ولذا ترثه ويرثها، وتغسله ويغسلها، وتجب عليه نفقتها، ولا يجوز أن يتزوج بأختها وبالخامسة؟ إلى غير ذلك من أحكام الزوجية.
فهل في هذه كلها مقنع لك في صحة ما ذهبت إليه الإمامية من عدم وجوب الإشهاد في الرجعة بخلاف الطلاق؟ فإن استصوبته حمدنا الله وشكرناك، وإلا فأنا مستعد للنظر في ملاحظاتك وتلقيها بكل ارتياح، وما الغرض إلا إصابة الحقيقة، واتباع الحق أينما كان، ونبذ التقليد الأجوف والعصبية العماء، أعاذنا الله وإياكم منها، وسدد خطواتنا عن الخطأ والخطيئات إن شاء الله، ونسأله تعالى أن يوفقكم لأمثال هذه الآثار الخالدة، والأثريات اللامعة، والمآثر الناصعة، [والباقيات الصالحات خير عند ربك ثوابا وخير أملا] ولكم في الختام أسنى تحية وسلام من:
محمد الحسين آل كاشف الغطاء ملاحظة: ومن جملة المسائل التي أجدت فيها البحث والنظر: بطلان طلاق الحائض، وقد غربلت حديث ابن عمر بغربال الدقيق، وهذه الفتوى أيضا مما اتفقت عليه الإمامية، وهي: بطلان طلاق الحائض إلا في موارد استثنائية معدودة.
هذا هو نص كتاب الأستاذ شيخ الشريعة، لم أحذف منه شيئا إلا كلمة خاصة لا علاقة لها بالموضوع، وإنما هي عن تفضله بإهداء بعض كتبه إلي، وسأحاول أن أبين وجهة نظري، وأناقش أستاذي فيما رآه وأختاره بما يصل إليه جهدي في عدد قادم إن شاء الله.
أحمد محمد شاكر القاضي الشرعي هذا تمام ما نشره فضيلة القاضي في ذلك العدد، ثم تعقبه في عدد (١٥٩) وعدد (١٦٠) بمقالين أسهب فيهما بعض الاسهاب، مما دل على طول باع، وسعة اطلاع، واستفراغ وسع، في تأييد نظريته، وتقوية حجته، وكتبنا الجواب عنهما، وأعرضنا عن ذكر تلك المساجلات هنا، خوف الإطالة والخروج عن وضع هذه الرسالة التي أخذنا على أنفسنا فيها بالايجاز، فمن أراد الوقوف عليها فليراجع أعداد مجلة (الرسالة) الغراء يجد في مجموعات تلك المراجعات فوائد جمة، وقواعد لعلها في الفقه مهمة. وإن الحقيقة منتهى القصد. " منه قدس سره ".
(٢٨٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 277 278 279 280 281 282 286 287 288 289 290 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 الاهداء 5
2 مقدمة التحقيق 7
3 متن الكتاب 113
4 مقدمة الطبعة الثانية 115
5 مقدمة الطبعة السابعة 129
6 مدخل الطبعة الأولى 137
7 مناقشة الدكتور أحمد أمين في تقولاته 139
8 الشيعة من الصحابة 144
9 الشيعة من التابعين 149
10 مؤسسو علم النحو من الشيعة 152
11 مؤسسو علم التفسير من الشيعة 152
12 مؤسسو علم الحديث من الشيعة 152
13 مؤسسو علم الكلام من الشيعة 153
14 مؤسسو علم السير والآثار من الشيعة 154
15 مؤرخو الشيعة 154
16 شعراء الشيعة 155
17 الملوك والامراء والوزراء والكتاب الشيعة 159
18 الحديث عن الرجعة 167
19 الجنة لمن أطاع والنار لمن عصى 168
20 فرق الغلاة المنقرضة 172
21 الحديث عن عبد الله بن سبأ 179
22 نشأة التشيع 184
23 عقائد الشيعة أصولا وفروعا 210
24 وظائف العقل 218
25 التوحيد 219
26 النبوة 220
27 الإمامة 221
28 العدل 229
29 المعاد 232
30 وظيفة القلب والجسد 232
31 تمهيد وتوطئة 233
32 الصلاة 239
33 الصوم 242
34 الزكاة 243
35 الزكاة الفطرة 244
36 الخمس 245
37 الحج 247
38 الجهاد 249
39 الامر بالمعروف والنهي عن المنكر 251
40 المعاملات 252
41 عقود النكاح 253
42 نكاح المتعة 253
43 الطلاق 278
44 الخلع والمباراة 286
45 الظهار والايلاء واللعان 287
46 الفرائض والمواريث 288
47 الوقوف والهبات والصدقات 291
48 القضاء والحكم 293
49 الصيد والذباحة 296
50 ظريفة 298
51 الأطعمة والأشربة 299
52 الحدود 303
53 حد الزنا 303
54 حد اللواط والسحق 304
55 حد القذف 304
56 حد المسكر 305
57 حد المحارب 306
58 حدود مختلفة 306
59 القصاص والديات 309
60 الخاتمة 313
61 البداء 313
62 التقية 315
63 ملحقات الكتاب 321