كتاب الألفين - العلامة الحلي - الصفحة ٦٠
الفساد، وإنما تندفع مادة الفساد على قول الإمامية بأن الرئيس منصوب من قبله تعالى، ولأن الصلحاء إذا تمكنوا من نصب الرئيس يمكنوا من دفع الفساد من الجهال وإذا عجزوا عن هذا عجزوا عن ذلك، فيلزم عدم وجوب نصب الرئيس. وهو باطل (1).
الوجه السابع والعشرون: لو اقتضى تجويز ترك الواجب وجوب نصب الرئيس على المكلفين لزم التسلسل واللازم باطل، فالملزوم مثله: بيان الشرطية إن المقتضى لوجوب نصب الرئيس واجب يجوز منهم الاخلال به، فكان عليهم شئ آخر يصدهم عن الاخلال بهذا الواجب (2) كما وجب عليهم في تجويز وقوع الفساد نصب الرئيس لوجود المقتضى فيهما.
وأما قول الإمامية وهو أنه إذا وجب على المكلفين ترك الفساد وجاز منهم الاخلال به وجب على الله تعالى إقامة اللطف بنصب الرئيس، والله تعالى يستحيل منه الاخلال بالواجب، فاندفع محذور التسلسل، لا يقال: الملازمة ممنوعة: فإن تجويز ترك الواجب من كل واحد من الأمة يستلزم وجوب نصب الرئيس، لكن هذا الواجب لا يمكن تركه، فإنه واجب على كل الأمة على سبيل الاجتماع ومجموع الأمة من حيث مجموع معصوم. لأنا نقول:
المحال اجتماع كل الأمة على الخطأ أما إذا ارتكب بعضهم الصواب جاز أن

(1) لا ريب في أن الرئيس الصالح يكون نصبه أصلح للأمة، وبه يكون دفع الفساد أكثر، ولكن الشأن في أن يختار الناس الأصلح ليكون وجوده أصلح من فقده، وإذا انتظرنا بعد اختياره واختباره، فقد نقع في مفاسد جمة فيكون عدمه أفضل من وجوده، فإن رضينا به فقد رضينا بالفساد، وإن عزلناه - وقد لا نستطيع - فلا نعتقد بأننا نظفر بخير منه، وإلى كم نبقى ونحن ننصب ونعزل وننصب ونعزل ولا ننتقل إلا من شر إلى أشر؟ ويكفيك شاهد عيان من تسلقوا المنابر فأين كان الصالح منهم للأمة وللشريعة؟ ولكن بناء على أن الإمامة منه تعالى وإنه سبحانه لا يختار لنا إلا الأصلح لا نجد من هذه المفاسد شيئا.
(2) وإيضاحه أن نقول: إن نصب الرئيس إذا قلنا بوجوبه لا بد أن يكون منبعثا عن واجب وإلا كيف يجب نصبه إذا لم يكن الباعث على نصبه واجبا؟ فإذا جاز أن يخل المكلفون بهذا الواجب الباعث احتاجوا إلى واجب آخر يصدهم عن الاخلال بهذا الواجب وهذا الثاني جاز أن يخلوا به أيضا فنحتاج إلى ثالث، وهكذا فيتسلسل.
(٦٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 55 56 57 58 59 60 61 62 63 64 65 ... » »»
الفهرست