كتاب الألفين - العلامة الحلي - الصفحة ٥٨
المصلحة في أن يفوض إلى المكلفين تعيين الأنبياء.
الوجه الثالث والعشرون: قد أوجب الله تعالى الوصية كما في كتابه، وحث عليها رسول الله صلى الله عليه وآله حتى قال: من مات بغير وصية مات ميتة جاهلية. فكيف يجوزان يليق نسبة النبي إلى ترك هذا الواجب المجمع على وجوبه المنصوص عليه في القرآن والمتواتر من الأخبار؟ وكيف يوجب على الأمة وعليه حكما، ثم يتركه من غير نسخ ولا إبطال؟ ولو سب الكفار نبينا عليه السلام لم يسبوه بأعظم من ذلك، وإذا امتنع منه عليه الصلاة والسلام ترك الوصية بطل القول لاختيار. لا يقال: إنما ندب إلى الوصية من كان عليه دين أو وصاية لغيره، أو كان له طفل إلى ما جرى هذا المجرى، وأما الأمور الدينية فلم يرد الشرع بالوصية فيها أصلا. لأنا نقول: الوصية في الدين أعظم من الوصية في الأمور الدنيوية: وبالخصوص من النبي صلى الله عليه وآله الذي هو مبدء الخير ومنبع الدين ومعلمه والمرشد إليه والدال عليه وقد حصر الله أحواله في الانذار فقال تعالى: * (إن أنت إلا نذير) * ومنصبه أعلى المناصب وأرفعها شأنا، فكيف يجوز أن يهمله ويجعله منوطا بمن يتلاعب به ومن يوصله إلى غير مستحقه، وكيف يمتنع ندب الوصية في الأمور الدينية، وقد ذكر الله تعالى في كتابه وصية إبراهيم لبنيه؟ وكذلك يعقوب، قال الله تعالى: * (ووصى بها إبراهيم بنيه ويعقوب) * وكيف يجوز أن تجب الوصية في أمور الدنيا ولا تجب في أمور الدين ممن هي منوطة به ومن هو مبعوث لأجلها وللإرشاد إليها.
الوجه الرابع والعشرون: لو كان لجماعة الأمة أو لبعضها أن يختاروا الإمام لوجب أن يكونوا أعلم من الإمام ليعرفوا بالامتحان علم الإمام وفضله ليختاروه ولو كانوا أعلم منه لكانوا بالإمامة أولى منه ولم يكن لهم أن يختاروه، وليس لهم أن يختاروا أنفسهم، وهذا يبطل الاختيار. ولا يقال: لا يجب أن يكون المرء أعلم من غيره حتى يعلم فضل علمه بل المرجوح أبدا يعلم فضل الراجح: فإنا نعلم رجحان أبي حنيفة في الفقه على علمائه، وسيبويه في النحو. لأنا نقول: مسلم أن المرجوح يعلم أن الراجح أفضل منه أما أن
(٥٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 53 54 55 56 57 58 59 60 61 62 63 ... » »»
الفهرست