مصباح الفقيه (ط.ق) - آقا رضا الهمداني - ج ٣ - الصفحة ٣٩
مثلا بمقدار ما يسوى فيستفاد من قوله عليه السلام أيما تيسر عموم الجواز في الجميع كما ربما يؤيده أيضا جواز احتساب الدين من الزكاة الشامل بإطلاقه لزكاة الانعام وما ورد في آداب الساعي من الارفاق بالمالك وإنه إذا أخرجها فليقومها فيمن يريد فإذا قامت على ثمن فإن أرادها صاحبها فهو أحق بها فإنه يستفاد من مثل هذه الأخبار إنه إذا كانت قيمتها السوقية معلومة فدفعها المالك إلى الساعي فليس للساعي الامتناع من قبولها إذا علم أنه لا يقوم فيمن يريد بأكثر من هذه القيمة كما أنه يستفاد منها إن المقصود بأخذ الزكاة صرف ثمنها في مصارفها وعدم تعلق الغرض بصرف عينها في تلك المصارف ومن هنا صح للعلامة وغيره الاستدلال له بأن المقصود بالزكاة رفع الخلة وسد الحاجة وهو يحصل بالقيمة كما يحصل بالعين وبأن الزكاة إنما شرعت جبرا للفقراء ومعونة لهم وربما كانت القيمة أنفع في بعض الأوقات فاقتضت الحكمة التسويغ إلى غير ذلك من الشواهد والمؤيدات التي لا تخفى على المتتبع المتأمل وحكي عن المفيد في المقنعة أنه قال لا يجوز إخراج القيمة في زكاة الأنعام إلا إن تعدم الأسنان المخصوصة في الزكاة وعن المصنف في المعتبر الميل إليه ووافقها في الميل والقول بالمنع عن إخراج القيمة في زكاة الأنعام مع وجود الأسنان المخصوصة غير واحد من المتأخرين كصاحبي المدارك والحدائق وغيرهما التطرق الخدشة إلى جميع ما ذكر شاهدا أو مؤيدا للمشهور أما بقصور السند أو ضعف الدلالة ورجوع لجملة منها إلى الاستحسان والاعتبارات العقلية الظنية التي لا اعتداد بها في الاحكام التعبدية الشرعية وفيه إنا ولو سلمنا إمكان الخدشة في كل واحد واحد مما ذكروه دليلا أو مؤيدا للمشهور بشئ من المناقشات التي تقدمت الإشارة إليها ولكن المنصف المتأمل في الجميع لا يكاد يرتاب في صحة ما ذهب إليه المشهور ولا سيما بعد الالتفات إلى عدم نقل خلاف يعتد به فيه وما تقدم من نقل الاجماع عليه الجابرين لضعف ما في الخبرين المزبورين من ضد أو دلالة إن كان مع أن الحق عدم الحاجة في إثبات جواز إخراج القيمة إلى التشبث بشئ من الأمور المزبورة بل يستفاد جواز أبدالها بالقيمة بل وجوبه غالبا لمن يتولى صرفها إلى مصارفها من الأصناف الثمانية التي ستعرفها من الكتاب والسنة الامرة بصرفها إلى هذه المصارف بدلالة الاقتضاء حيث أن الغالب تعذر صرف عين الفريضة أو تعسره من غير تبديل أو تغيير خصوصا إذا كانت من جنس الانعام إلى تلك المصارف إذ كيف يتمكن من صرف بنت المخاض أو بنت اللبون بعينها في عمارة المساجد وبناء القناطر ومعونة الحاج وغير ذلك من وجوه البر أو في أداء مال الكتابة وفكاك الرقاب ووفاء دين الغارمين الذين لا يبلغ دينهم هذا المبلغ أولا يرضى صاحبه الا بحقه فليس الامر بصرف الزكاة إلى هذه الوجوه إلا كالوصية بصرف ثلث تركته من المواشي والعقار والغلات إلى استيجار العبادات وشئ من مثل هذه الوجوه فإن مفادها عرفا ليس إلا إرادة صرف ثلثه إلى هذه المصارف بأي وجه تيسر وستعرف أنه يجوز للمالك أن يتولى بنفسه صرف الزكاة إلى مصارفها بل هو المكلف بذلك أولا وبالذات وإن جاز له إيكاله إلى الإمام عليه السلام أو الساعي ووجبت عليه ذلك لدى مطالبته وحيثما يجوز له الصرف يجوز له الابدال بالقيمة بل قد يجب ذلك كما لو انحصر المصرف فيما لا يمكن صرفها إليها إلا بالقيمة ومتى جاز له الابدال لم يتفاوت الحال في ذلك بين إن يبيعها من شخص أخر ويصرف ثمنها في مصرفها أو يخرج قيمتها ابتداء بدلا عما وجب عليه إذ لا وجه لاعتبار خصوصية البيع والمعاوضة مع الغير في ذلك كمالا يخفى وقد تلخص مما ذكر إن ما ذهب إليه المشهور وهو الأقوى وهل يجوز الاخراج بالقيمة السوقية من أي جنس يكون أم يختص ذلك بالدراهم والدنانير ظاهر المتن وغيره بل عن بعض نسبته إلى الأصحاب تصريحا من بعض وتلويحا من أخر الأول بل عن ظاهر الغنية و الخلاف دعوى الاجماع عليه بل عن البيان أنه قال لو أخرج في الزكاة منفعة بدلا من العين كسكنى الدار فالأقرب الصحة وتسليمها بتسليم العين ويحتمل المنع لأنها تحصل تدريجا ولو أجر الفقير نفسه أو عقاره ثم أحتسب مال الإجارة جاز وإن كان معرضا للفسخ ولكن في المدارك قال إن جواز احتساب مال الإجارة جيد وكونه مفروضا للفسخ لا يصلح مانعا أما جواز احتساب المنفعة فمشكل بل يمكن تطرق الاشكال إلى إخراج القيمة مما عدى النقدين إنتهى وربما يلوح من عبارة الوافي الآتية المنع عن التبديل بغير الدراهم والدنانير ويدل على المشهور رواية قرب الإسناد المتقدمة و يمكن الاستدلال له أيضا بما استشهدنا به لجواز إخراج القيمة من استفادته من تجويز صرفها إلى المواضع التي يتعذر أو يتعسر صرف عينها إليها غالبا فإنه يستفاد من تجويز تجهيز موتى المسلمين من الزكاة ووفاء ديونهم وصرفها إلى ساير وجوه البر كبناء المساجد والقناطير وإعانة الحاج والزائرين فيما يحتاجون بمقدار حاجاتهم جواز إخراج كلما يجوز شرائه من الزكاة لأجل هذه المصارف كالجص والنورة لتعمير المساجد وشراء الكفن للميت ونحوه يجوز إخراجه بدلا عن الفريضة لاستعماله في هذه الوجوه ويتم القول بالنسبة إلى موارد إمكان صرف عينها إلى مواردها بعدم القول بالفصل مع أن له أن يختار في مصرفها من وجوه البر ما لا يناسبه إلا الجنس الذي أخرجه بدلا عن الفريضة الواجبة فيما له ولكن قد ينافي ذلك خبر سعيد بن عمر عن أبي عبد الله عليه السلام قال قلت له يشتري الرجل من الزكاة الثياب والسويق و الدقيق والبطيخ والعنب فيقسمه قال لا يعطيهم إلا الدراهم كما أمر الله تعالى قال في الوافي هذا الحديث لا ينافي ما قبله لان التبديل إنما يجوز بالدراهم والدنانير دون غيرهما إنتهى ولكنك قد عرفت ظهور الخبر المروي عن قرب الإسناد المعتضد بالشهرة ومعاقد الاجماعات المحكية في خلافه مضافا إلى ما ادعيناه من إمكان استفادته مما ورد في بيان المصرف فما ذهب إليه المشهور وهو الأقوى وأما الخبر المزبور فهو بظاهره غير معمول به إذ لا يتعين إخراج الدراهم حتى فيما إذا كانت الفريضة من جنسها لجواز إخراج قيمتها من الدنانير نصا وإجماعا فلم يقصد بقوله (ع) لا يعطيهم إلا الدراهم خصوص الدراهم بل هي جارية مجرى التمثيل فأريد بها أما عين الفريضة التي تعلق التكليف بإخراجها أولا وبالذات كما يؤيده قوله عليه السلام كما أمر الله تعالى فيتعين حينئذ حمله على الأفضلية لما عرفت من جواز إخراج القيمة في الجملة نصا وإجماعا أو النقد الغالب الذي يقدر به القيمة ويقع الثمن غالبا أي الدراهم والدنانير فيصير حينئذ شاهدا للقول المزبور ولكن لم يتعين إرادة هذا الاحتمال بل الاحتمال الأول أوفق بظاهر قوله عليه السلام كما أمر الله تعالى مع أن مقتضى الجمع بينه وبين رواية قرب الإسناد المتقدمة وغيرها حمل هذه الرواية على هذا التقدير أيضا على الأفضلية أو على ما إذا كان دفع الثمن أصلح للفقير من شراء شئ له ويحتمل أيضا أن يكون المقصود بهذه الرواية المنع عن التصرف في الثمن بعد فرض تعين كونه زكاة ولو بجعل نفسه أو كونه مأخوذا من الغير بهذا العنوان فالمنع حينئذ على حقيقته إذ لا ولاية له على الفقير بحيث
(٣٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 34 35 36 37 38 39 40 41 42 43 44 ... » »»