مصباح الفقيه (ط.ق) - آقا رضا الهمداني - ج ٣ - الصفحة ٤٢
وأما اللواحق: فهي إن الزكاة تجب في العين لا في الذمة على المشهور كما عن المفاتيح وغيره بل لم ينقل الخلاف فيه صريحا عن أحد من أصحابنا بل عن غير واحد دعوى إجماعهم عليه والمراد بوجوبها في العين تعلقها بها لا وجوب إخراجها منها فإنه يجوز الدفع من مال أخر كما ستعرف فمعنى وجوبها في العين كون العين هي مورد هذا الحق لا الذمة ولذا عبر بعضهم في فتواه ومعقد إجماعه بلفظ التعلق كما في عبارة شيخنا المرتضى (ره) فإنه قال الظاهر أنه لا خلاف بين الامامية في تعلق الزكاة بالعين وصرح في الايضاح بإجماع الامامية على ذلك وحكى دعوى الوفاق عن غير واحد نعم حكى في البيان عن ابن حمزة أنه حكى عن بعض الأصحاب تعلقها بالذمة أقول وربما نسب هذا القول في كلماتهم إلى الشافعي عن المعتبر نسبته إلى بعض العامة وفي المدارك قال في شرح عبارة المتن وإطلاق العبارة يقتضي عدم الفرق في ذلك بين كون المال الذي يجب فيه الزكاة حيوانا أو غلة أو أثمانا وبهذا التعميم صرح في المنتهى قال أنه قول علمائنا أجمع وبه قال أكثر أهل العلم ثم قال واستدل عليه بقوله عليه السلام في أربعين شاة شاة وفي خمس من الإبل شاة وفي ثلاثين من البقر تبيع وفيما سقت السماء العشر وفي عشرين مثقالا من الذهب نصف مثقال ظاهر هذه الألفاظ وجوب الفرض في العين وبأنها لو وجبت في الذمة لتكررت في النصاب الواحد بتكرر الحول ولم تقدم على الدين مع بقاء عين النصاب إذا قصرت التركة ولم تسقط بتلف النصاب من غير تفريط لم يجز للساعي تتبع العين لو باعها المالك و هذا اللوازم باطلة اتفاقا فكذا الملزوم يدل عليه أيضا ما رواه الكليني في الصحيح عن عبد الرحمن ابن أبي عبد الله قال قلت لأبي عبد الله عليه السلام رجل لم يزك أبله أو شاته عامين فباعها على من اشتراها أن يزكيها لما مضى قال نعم يؤخذ زكاتها ويتبع بها البايع ويؤدي زكاتها البايع وما رواه ابن بابويه عن أبي المعزاء عن أبي عبد الله عليه السلام قال إن الله تبارك وتعالى شرك بين الفقراء والأغنياء في الأموال فليس لهم أن يصرفوا إلى غير شركائهم والشركة إنما تصدق بالوجوب في العين ثم قال وحكى الشهيد في البيان عن ابن حمزة أنه نقل عن بعض الأصحاب وجوبها في الذمة وهذا القول حكاه المصنف (ره) في المعتبر عن بعض العامة محتجا على ذلك بأنها لو وجبت في العين لكان للمستحق الزام المالك بالأداء من العين ولمنع المالك من التصرف في النصاب إلا مع إخراج الفرض ثم أجاب عن الأول بالمنع من الملازمة فإن الزكاة وجبت جبرا وإرفاقا للفقير فجاز أن يكون العدول عن العين تخفيفا عن المالك ليسهل عليه دفعها قال وكذا الجواب عن جواز التصرف إذا ضمن الزكاة وهو حسن إنتهى ما في المدارك أقول ما ذكروه وجها للقول بتعلقها بالذمة من أنها لو كانت متعلقة بالعين لكان للمستحق الزام المالك بالأداء من المعين ولمنع المالك من التصرف في النصاب إلا مع إخراج الفرض ففيه إن هذا إنما يصلح دليلا لنفي تعلقها بالتعين على سبيل الشركة الحقيقة بطريق الإشاعة لا إثبات تعلقها بالذمة ولا ملازمة بين الامرين فإن تعلق الزكاة بالعين يتصور على أنحاء أحدها إن يكون على سبيل الشركة الحقيقية بأن يكون للفقير في كل جزء منها بالفعل جزء مشاع يكون مجموعه معادلا للفريضة عينا أو قيمة كما في غير الجنس و مقتضاه على هذا التقدير عدم جواز التصرف لاحد الشريكين إلا برضا الاخر إلى غير ذلك من أحكام الشركة إلا أن يدل دليل تعبدي على خلافه ثانيها أن يكون حق الفقير المتعلق بالعين من قبيل الكلي الخارجي أي شئ من مسمى الفرضة الغير الخارج من هذا العين كصاع من هذه الصبرة التي هي أربعين صاعا أو شاة من أربعين شاة على سبيل الابهام والاجمال من غير تقييده بشئ من عوارضها المشخصة وهذا أيضا نحو من الشركة ولكنها لا تقتضي منع المالك عن التصرف عما زاد عن مقدار الفريضة ولكن هذا إنما يعقل فيما إذا كان مسمى الفريضة من أجزاء النصاب لا في مثل في خمس من الإبل ثالثها استحقاق الفقير الفريضة التي سماها الشارع له من هذا العين كاستحقاق غرماء الميت من تركته حقهم وإن لم يكن من جنسه فالعين حينئذ مورد لهذا الحق من غير أن يكون الحق متقوما بها فإذا دفع المالك بل الأجنبي مسمى الفريضة إليه فهو بمنزلة ما لو وفي الوارث أو المتبرع دين الميت الذي تعلق بعد موته بتركته فقد أدى إليه عين ما يستحقه لا بد له رابعها أن يكون من قبيل حق الجناية كما سيأتي احتماله في عبارة الشهيد الآتية خامسها أن يكون من قبيل حق الرهانة كما سيأتي احتماله أيضا في عبارة الشهيد ولكن مرجعه إلى التعلق بالذمة كما لا يخفى سادسها أن يكون حق الفقير المتعلق بالعين من قبيل حق من نذر له أن يتصدق عليه بشئ من ماله فهو ما لم يدفعه إلى الفقير بقصد التقرب لا يخرج عن ملك مالكه ولا يدخل في ملك الفقير فحق الفقير المتعلق بهذا المال قبل أن يصرف إليه هو استحقاق صرف شئ منه إليه لا كونه بالفعل مملوكا له وملخص الكلام أن عدم جواز الزام المالك بالأداء من العين ومنعه عن التصرف في النصاب قبل الاخراج لا يدل على ثبوتها في ذمة المالك فالقول بتعلقها بالذمة مع الغض عن مخالفته للاجماعات المحكية المستفيضة مدفوع بمخالفته للأصل فإن مقتضاه عدم اشتغال ذمة المالك بشئ عدى ما دل عليه الصدقة وغيرها من أدلة وجوب الزكاة وهي بأسرها ناطقة بأن الله تعالى فرض على عباده في أموالهم الصدقة وأموالهم عبارة عن الأعيان الخارجية المملوكة لهم وقد خصها رسول الله صلى الله عليه وآله بتسعة أصناف فوضع الصدقة فيها وعفى عما سوى ذلك وهي كما تراها كادت تكون صريحة في أن الزكاة هي صدقة فرضها الله تعالى على العباد في أموالهم الزكاتية لا في ذممهم فهذا مما لا ينبغي الارتياب فيه وإنما الاشكال في كيفية تعلقها بالمال من أنه هل هو من باب الشركة أو غير ذلك من أنحاء التعلق مما تقدمت الإشارة إليه وقد صرح العلامة في التذكرة بوجوب الزكاة في العين ونسبه في عدة مواضع منها إلى أصحابنا بحيث يظهر منه دعوى إجماعهم عليه ومع ذلك قال الأقرب عندي جواز تصرف المالك في النصاب الذي وجبت فيه الزكاة بالبيع والهبة وأنواع التصرفات وليس للساعي فسخ البيع ولا شئ من ذلك لأنه مالك فيجوز له التصرف فيه بجميع أنواعه و تعلق الزكاة به ليس بمانع سواء قلنا الزكاة تجب في العين أو لا لان تعلقها بالعين تعلق لا يمنع التصرف في جزء من النصاب فلم يمنع في جميعه كأرش الجناية ولان ملك المساكين غير مستقر فيها فإن له أسقاط حقهم منه بدفع القيمة فصار التصرف فيه اختيارا منه لدفع غيره إنتهى قوله ولان ملك المساكين إلى أخره كأنه مبني على التنزل والمماشاة مع الخصم بالالزام بالملكية كما في بعض كلماته الإشارة إليه وقال في موضع أخر قد بينا أن الزكاة متعلق بالعين لسقوطها
(٤٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 37 38 39 40 41 42 43 44 45 46 47 ... » »»