مصباح الفقيه (ط.ق) - آقا رضا الهمداني - ج ٣ - الصفحة ٤٥
الفتاوى ومخالفته للسيرة القطعية ومما يبعد أيضا الشركة الحقيقية اتحاد سياق الروايات الواردة في الزكاة الواجبة والمستحبة كزكاة مال اليتيم وما عدى الغلات الأربع من المكيلات بل بعض الروايات الواردة في بيان ما ثبت فيه الزكاة مشتملة على الواجب والمستحب مع أنه لا يمكن الالتزام بالشركة الحقيقية في المستحب فالمقصود بثبوت الزكاة فيها كونها متعلقا لحق الفقير الناشي من إيجاب الشارع أو ندبة التصدق بشئ منها عليه كغيرها من الحقوق الثابتة للفقراء في أموال الأغنياء مما عدى الزكاة المبينة في الأخبار الواردة في تفسير قوله تعالى وأتوا حقه يوم حصاده وقوله تعالى في أموالهم حق معلوم للسائل والمحروم والذي يقوى في النظر بالنظر إلى مجموع ما ورد في هذا الباب من الآيات والروايات إن الله تعالى قد جعل للفقراء في أموال الأغنياء ما يكتفون به بمعنى أنه تعالى أوجب على الأغنياء أن يتصدقوا عليهم من أموالهم التي وضع عليها الزكاة بالفريضة التي عينها لهم فصارت الفريضة المقررة في أموالهم بذلك حقا لازما لهم على الأغنياء في أموالهم فهو ملك لهم شأنا لا بالفعل ولدى امتناع المالك عن أداء هذا الحق قد جعل الشارع الحاكم و الساعي بل وساير المؤمنين بل نفس الفقير عند الحاكم والساعي وليا على استفيائه فيؤديه عن المالك من باب الحسبة بقصد القربة وأداء الزكاة الواجبة في هذا المال كغيرها من الحقوق المتعلقة بالأموال لدى امتناع مالكه عن الخروج عن عهدتها وحيث ثبت بالأدلة الخارجية جواز إخراج الفريضة من مال أخر بل جواز دفع القيمة كشف ذلك عن أن الحق الذي جعله الشارع للفقير في هذا المال لم يلاحظ فيه خصوصية شخصه ولا نوعه بل كحق غرماء الميت المتعلق بتركته وإن كان بينهما فرق من حيث تعلق حق الغرماء إذا لم يكن الدين مستوعبا بمجموع التركة بحيث لو تلف منها شئ مما زاد عن الحق لم يرد به نقص على الغريم وهذا حق متعلق بجميعه حيث أن الشارع جعل الفقير مستحقا لان يستوفي له من جميع هذا المال البالغ حد النصاب الفريضة التي قررها له عينا أو قيمة كما جعل الزوجة غير ذات الولد مستحقة لان تستوفي من البناء ثمن قيمتها وليس حق الزوجية المتعلق بقيمة البناء دينا ثابتا في ذمة الورثة بل حقا معلقا بتركته فهذا قسم من الحق مبسوط على جميع المال فلا ينافيه التوزيع ولا جواز إخراج الزكاة من غير العين ولا دفع القيمة ولا يكاد يستفاد من أدلة الزكاة ولا من إطلاق فتوى القائلين بوجوب الزكاة في العين أزيد من ثبوت هذا النحو من الحق للفقير وهو كاف في صحة إطلاق لفظ الشركة في قوله عليه السلام في الموثقة المتقدمة إن الله تبارك وتعالى شرك بين الأغنياء والفقراء في الأموال فهو وإن كان خلاف ظاهر إطلاق لفظ الشركة حيث ظاهرها الشركة الحقيقية ولكنه يكفي قرينة لصرفها عن هذا الظاهر الجمع بينها وبين قوله عليه السلام في صحيحة ابن سنان إن الله عز وجل فرض للفقراء في أموال الأغنياء ما يكتفون فضلا عن غيره مما عرفت حيث أن الصحيحة صالحة لتفسير ما أريد من الشركة في هذه الرواية فإنه إذا لو حظ مجموع الخبرين يصير المجموع بمنزلة ما لو قال إن الله شرك بين الأغنياء والفقراء في الأموال بأن فرض على الأغنياء في أموالهم للفقراء بأن يتصدقوا عليهم بقدر كفايتهم مع أنه لا يمكن إثبات مثل هذا الحكم المخالف للقواعد بمثل هذا الظهور كما هو واضح وأما رواية ابن أبي حمزة القاضية بأنه إذا اتجر بها في جملة المال فلها الربح بقسطها وليس عليها الوضيعة فهي بنفسها مخالفة لما يقتضيه الشركة الحقيقية فإن نفوذ تصرف أحد الشريكين في المال المشترك الموجب لانتقال حقه إلى الثمن وإباحة تصرفه فيه واستحقاقه لقسطه من الربح بغير أجازته مخالف للقواعد اللهم إلا أن يقال إن حكم الشارع بأن الربح له بمنزلة الإجازة من الولي حقيقة أو حكما بالنسبة إلى المعاملات الواقعة على طبق مصلحة الفقير أي المشتملة على الربح وأما ما عداها مما لا فائدة فيه للفقير بالنسبة إلى حق الشريك باقية على أصالة الفساد فحق الشريك باق في العين وعلى البايع الخروج عن عهدته فلا وضيعة عليه فلا يعارضها صحيحة عبد الرحمن المتقدمة الدالة على تتبع الساعي المال وعدم لزوم الثمن زاد أم نقص لامكان صرف هذه الصحيحة لو لم نقل بانصرافها من حيث هي إلى صورة عدم زيادة الثمن عن القيمة بحيث يكون استيفاء حق الشريك من الثمن أصلح بحاله فيجمع بينهما بتخصيص الصحيحة بغير المعاملة المشتملة على الربح التي دلت هذه الرواية على صحتها أو سببيتها لانتقال حق الفقير إلى الثمن نعم ظاهر تلك الصحيحة صحة مطلق المعاملات المتعلقة بالمال بل لزومها مع بقاء المال على ما كان من كونه متعلقا للزكاة الواجبة فيه وأنه إن أداها المالك من مال آخر فهو وإلا استوفاها الساعي من العين ورجع المشتري بها على البايع من غير أن يفسخ البيع حتى بالنسبة إلى ما دفعه إلى الساعي وإلا لم يكن له الرجوع إلا بما قابلها من الثمن سواء زاد عن قيمة ما يقع مصداقا للفريضة الواجبة فيه أم نقص وهذه الأحكام كلها منافية للشركة الحقيقية حتى تنزيل حكم الشارع بأن الربح له منزلة أجازته وليس الالتزام بشئ منها بعد تسليم جواز العمل بهذه الرواية في موردها أولى من الالتزام بأن الشارع الحق ربح الزكاة الحاصل بالتجارة بأصله في إيجاب دفعه إلى الفقير أو ندبه رعاية لحق الفقير الذي جعله الشارع له وقصر المالك في أدائه وقد تلخص من جميع ما ذكر أنه لا دليل يعتد به على الشركة الحقيقية بل هي مخالفة للأصول والقواعد وظواهر الأدلة بل غاية ما يمكن استفادته منها أن الزكاة حق مالي متعلق بالعين فإذا تمكن من إيصالها إلى مستحقها بعد تنجز التكليف به فلم يفعل فقد فرط أي أهمل في أدائها إلى المستحق فإن تلفت والحال هذه لزمه الضمان بلا خلاف فيه على الظاهر بل عن التذكرة إنه قول علمائنا أجمع ويدل عليه مضافا إلى ذلك صحيحة محمد بن مسلم أو حسنته قال قلت لأبي عبد الله عليه السلام رجل بعث بزكاة ماله لتقسم فضاعت هل عليه ضمانها حتى تقسم فقال إذا وجد لها موضعا فلم يدفعها إليه فهو لها ضامن حتى يدفعها وإن لم يجد لها من يدفعها إليه فبعث بها إلى أهلها فليس عليه ضمان لأنها قد خرجت من يده وكذلك الوصي الذي يوصي إليه يكون ضامنا لما دفع إليه إذا وجد ربه الذي أمر بدفعه إليه وإن لم يجد فليس عليه ضمان وصحيحة زرارة قال سئلت أبا عبد الله عليه السلام عن رجل بعث إليه أخ له زكاته ليقسمها فضاعت فقال ليس على الرسول ولا على المؤدي ضمان قلت فإنه لم يجد لها أهلا ففسدت وتغيرت أيضمنها قال لا ولكن إذا عرف لها أهلا فعطبت أو فسدت فهو لها ضامن حتى يخرجها وكذا لو تمكن من إيصالها إلى الساعي والإمام عليه السلام لكون الايصال إليهما إيصالا إلى أهلها كما صرح به في الجواهر ثم قال بل الظاهر أن الحكم كذلك في المجتهد ووكيله بالنسبة
(٤٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 40 41 42 43 44 45 46 47 48 49 50 ... » »»