مصباح الفقيه (ط.ق) - آقا رضا الهمداني - ج ٣ - الصفحة ١٨٠
القضاء مع صراحة الرواية المزبورة في خلافه وصلاحيتها شاهدة لصرف الأخبار الناهية عنه حتى خبر الخصال فضلا عن غيره إلى إرادة الحكم التكليفي أو الكراهة لا يخلو عن اشكال ولكنه أحوط وعلى القول به فوجوب الكفارة مبنى على دعوى ظهور الأدلة في وجوبها بكل مفسد للصوم وسيأتي تحقيقه إنشاء الله ثم إن مقتضى اطلاق النهى عن غمس الرأس أو رمسه في الماء المنع عنه ولو مع خروج البدن فما عن الدروس من التردد فيه حيث قال لو غمس رأسه دفعة أو على التعاقب ففي الحاقه بالارتماس نظر ضعيف اللهم الا ان يدعى انصراف النصوص إلى إرادة الارتماس المطلق كما وقع التعبير به في بعض تلك الأخبار وتقييده بالرأس في جملة منها لكونه الجزء الأخير الذي يتحقق به الانغماس لا لإرادته بالخصوص وهذه الدعوى غير بعيدة عن مساق الاخبار الا أنها قابلة للمنع فالاخذ بالاطلاق أوفق بالقواعد والله العالم ويعتبر في تحقق مفهوم ومس الرأس أو البدن ادخال مجموعه تحت الماء وتغطيته به فلو ادخل جميع اجزائه شيئا فشيئا على سبيل التعاقب لا يتحقق به صدق اسم الارتماس فما وقع في كلماتهم من تقييده بكونه دفعة انما أريد به ماء يقابل الدفعات على سبيل التعاقب لا الدفعة المقابلة للتدريج ضرورة عدم الفرق في صدق اسم الارتماس بعد حصول التغطية بين كونه حاصلا على التدريج أو الدفعة فمن انكر اعتبار الدفعة أرادها بالمعنى الثاني ومن اعتبرها فبالمعنى الأول فالنزاع لفظي وكيف كان فالمنساق إلى الذهن من اطلاق الرأس في مثل المقام هو مجموع ما فوق الرقبة كما صرح به غير واحد وفي المدارك لم يستبعد تعلق التحريم يغمس المنافذ كلها دفعة وان كانت منابت الشعر خارجة من الماء وفيه انه لو كان مناط الحكم الاحتياط في عدم ادخال الماء المنافذ لكان له وجه ولكن هذا مما لم يدل عليه دليل وإن كان قد يشعر به ما في خبر حنان بن سدير من تعليل نهى المرأة عن الاستنقاع الذي جعل في هذا الخبر رديفا لنهى الرجل عن الانغماس بأنها تحمل الماء بقبلها ولكنك خبير بأن هذا النحو من التعليل مع الغض عن عدم تحققه في المورد الا بالاشعار الضعيف من قبيل بيان المناسبات والحكم المقتضية لشرع الحكم لا العلل الحقيقة التي يدور الحكم مدارها وجودا وعدما مع أن غمس الرأس جميعه في الماء أشد تأثيرا في رسوب الماء في المنافذ فالحاق غمس المنافذ كلها كغمس بعضها برمس الرأس كله قياس مع الفارق ثم إن بعضهم الحق غير الماء من المايعات به في حكم الارتماس ففي المسالك قال في حكم الماء مطلق المايع وإن كان مضافا كما نبه عليه بعض أهل اللغة والفقهاء انتهى فكأنه أراد من استشهاده بكلام بعض أهل اللغة والفقهاء اثبات صدق اسم الارتماس عليه وفيه انه غير مجد في المقام إذ بعد تسليم الصدق يتوجه عليه ان الموجود في النصوص بأسرها انما هو النهى عن الارتماس أو الانغماس في الماء نعم ورد في صحيحة الحلبي المتقدمة ولا يرمس رأسه من غير تقييد ولكن عطفه على قوله يستنقع في الماء يجعله ظاهرا في إرادة ومس رأسه فيه ولو فرض وجود دليل مطلق أيضا لاتجه دعوى انصرافه إلى الارتماس في الماء الا انه لا يبعد أن يقال إن انصرافه عن المضاف بدوي وكيف كان فالحاق سائر المايعات به مما لاوجه له وأما الماء المضاف فالحاقه به لا يخلو عن وجه إذ لا نعقل أن يكون لوصف الاطلاق مدخلية في مثل هذا الحكم الا انه تعد في الحكم الشرعي التعبدي عن مورد النص فلا يجوز الا مع القطع بعدم مدخلية الخصوصية وعهدته على مدعيه وسبيل الاحتياط غير خفى والله العالم تنبيه لو ارتمس الصائم في الماء بنية الغسل فإن كان سهوا فلا اشكال بل لا خلاف في صحة غسله وعدم بطلان صومه اما الأول فواضح لعدم تنجز النهى في حقه حال الغفلة حتى يؤثر في فساد الغسل واما الثاني فلاختصاص مفطرية الارتماس على القول به بالعامد ومن بحكمه أي الجاهل بالحكم أو ناسيه دون ناسي الموضوع كما سيأتي التنبيه عليه واما مع الالتفات إلى الصوم فعلى القول بالكراهة يكون حاله حال الوضوء أو الغسل بالماء المسخن بالشمس الذي لا شبهة في صحته وشبهة انه كيف يعقل وقوعه عبادة مع كونه منهيا عنه شبهة في مقابل الضرورة قد تعرضنا لحلها في مسألة الوضوء بالماء المسخن من كتاب الطهارة فراجع وعلى القول بالحرمة تعبدا يفسد غسله سواء نواه بدخوله في الماء أو بخروجه منه إذ المتبادر من مثل هذه النواهي حرمة فعل الرمس أي كونه مرموس الرأس لا مجرد احداثه بحيث لو ارتمس غفلة جاز له البقاء بعد تذكرة فبقائه كدخوله مبغوض شرعا يمتنع ان يقع عبادة وتوهم صيرورة الخروج واجبا عليه بعد ايجاد الارتماس فيمتنع بقائه بصفة الحرمة حتى يمتنع وقوعه عبادة مدفوع بما حققناه في مسألة الصلاة في المكان المغصوب من أن جعل المكلف نفسه مضطرا إلى ارتكاب الحرام لا يؤثر في ارتفاع قبحه ومبغوضيته واستحقاق العقاب عليه وان لم يبق النهى بعد الاضطرار بصفة التنجز والمانع عن صحة الفعل ووقوعه عبادة انما هو قبحه وصحة العقاب عليه لا كونه بالفعل منهيا عنه وأمره بالخروج ارشادي من باب الأمر بارتكاب أقل القبيحين في مقام الدوران فلا ينافي مبغوضية فعليه من حيث هو المانعة عن وقوعه عبادة كما تقدم توضيحه في المبحث المشار إليه فراجع واما على القول بالمفطرية ففي الصوم الذي يجوز ابطاله كالتطوع والواجب الموسع يفسد الصوم ويصح الغسل وفي الصوم الذي يحرم ابطاله يفسد الغسل أيضا ان نواه بدخوله واما لو نواه بعد الاستقرار أو حال الخروج ان اكتفينا بمثله في الغسل صح لوقوعه بعد انقطاع النهى و صيرورة الفعل سائغا في حقه اللهم الا ان يعرضه حرمة خارجية كما لو كان في شهر رمضان وقلنا بأنه يجب عليه الامساك عن سائر المفطرات حتى الارتماس تعبدا بعد افساد الصوم وفي ايصال الغبار إلى الحلق خلاف كما صرح به في الحدائق حيث قال ما لفظه اختلف الأصحاب في ايصال الغبار إلى الحلق فذهب جمع منهم الشيخ في أكثر كتبه إلى أن ايصال الغبار إلى الحلق متعمدا موجب للقضاء والكفارة واليه مال من أفاضل متأخري المتأخرين المحدث الشيخ محمد بن الحسن الحر في كتاب الوسائل وذهب جمع منهم ابن إدريس والشيخ المفيد على ما نقل عنه وأبو الصلاح وغيرهم والظاهر أنه المشهور إلى وجوب القضاء خاصة متى كان متعمدا وذهب جمع من متأخري المتأخرين إلى عدم الافساد وعدم وجوب شئ من قضاء أو كفارة وهو الأقرب انتهى ولكن في الجواهر بعد ان نسب القول بالمفطرية إلى المشهور قال بل لم أجد فيه خلافا بين القائلين بعموم المفطر للمعتاد الا من المصنف في المعتبر فتردد فيه كما اعترف بذلك الفاضل في الرياض بل ظاهر الغنية والتنقيح وصريح السرائر ومحكى نهج الحق الاجماع عليه انتهى وقال شيخنا المرتضى (ره) بعد نسبته إلى المشهور بل لم يعلم مصرح
(١٨٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 175 176 177 178 179 180 181 182 183 184 185 ... » »»