مصباح الفقيه (ط.ق) - آقا رضا الهمداني - ج ٣ - الصفحة ١٣١
الاشكال في تفسير المؤنة وتحديدها وتحقيق مبدء حولها اما تفسير المؤنة فقد صرح غير واحد بان المراد بها كلما ينفقه على نفسه وعلى عياله وعلى غيرهم للاكل و الشرب واللباس والمسكن والتزويج والخادم وأثاث البيت والكتب وغير ذلك مما يعد مؤنة عرفا فتعم مثل الهبة والصلة والصدقات والنذر وغيرها من الأفعال الواجبة أو المندوبة كزيارة المشاهد أو بناء المساجد والضيافة اللائقة بحاله وما يدفعه إلى الظالم للأمن من ضرره إلى غير ذلك من المقاصد العقلائية التي تصرف فيها الأموال لغرض ديني أو دنيوي وعن الغنائم أنه قال الظاهر أن تتميم رأس المال لمن احتاج إليه في المعاش من المؤنة كاشتراء الضيعة والظاهر أنه لا يشترط التمكن من تحصيل الربح منه بالفعل فيجوز صرف شئ من الربح في غرس الأشجار لينتفع بثمرها ولو بعد سنين وكذلك اقتناء إناث أولاد الانعام لذلك انتهى أقول مساعدة العرف على عد مثل هذه الأشياء من مؤنته مشكلة بل لا فرق عرفا بين ادخار عين الفائدة التي اكتسبها لان يصرفها في المستقبل في نفقته أو شراء ضيعة أو دار ونحوها مما يحتاج إليه في ذلك الوقت أو يشترى الضيعة ونحوها في هذه السنة لان ينتفع بثمرها أو يعيش بها أولاده في المستقبل إذ لا يكفي في اطلاق اسم المؤنة مجرد صرف الربح في مصرف حتى مع بقاء مقابله وعدم احتياجه إليه بالفعل بل هو من قبيل مبادلة مال بمال اصلح بحاله وأعظم فائدة فيما يستقبل فالمقابل بعينه حينئذ يندرج فيما استفاده هذه السنة ولم يصرفه في مؤنتها نعم ما يحتاج إلى الانتفاع به بالفعل في تعيشه من بستان أو غنم ونحوهما لا يبعدان يعد عرفا من المؤنة وكذا ما يحتاج إليه أرباب الصنايع في صنايعهم من الآلات والأدوات وكيف كان فالمدار على كونه لدى العرف من المؤنة ومع الشك في اندراجه فيها عرفا يرجع إلى عمومات أدلة الخمس في الغنائم والفوائد المكتسبة من الآية و غيرها مقتصرا في تخصيصها على القدر المتيقن وكون المخصص مجملا لأجل تردده بين الأقل والأكثر لا يقدح في الرجوع إلى العموم في موارد الشك إذا كان في كلام منفصل كما لا يخفى وجهه ثم إنه قد قيد غير واحد في فتاويهم ومعاقدا جماعاتهم المحكية المؤنة بالاقتصاد قال شيخنا المرتضى (ره) فان أريد به ما يقابل الاسراف فلا مضايقة وان أريد به التوسط نفى اعتباره نظر بل يمكن التأمل في بعض افراد الاسراف إذا لم يصدق عرفا معه إضاعة المال وان كان شرعا كذلك لدخوله عرفا في المؤنة لكن الأقوى خلافه انتهى أقول في قوته تأمل فان المتبادر من مثل قوله عليه السلام الخمس بعد المؤنة ارادته فيما يفضل عما ينفقه في معاشه بالفعل نظير مؤنة التحصيل في الأرباح والمعادن وغيرها فالعبرة على الظاهر بما يتفق حصوله في الخارج كيفما اتفق ودعوى ان المتبادر من الروايات انما هو إرادة ما ينفقه في مقاصده العقلائية على النهج المتعارف لا على سبيل الاسراف قابلة للمنع الا انه ربما يظهر من كلماتهم دعوى الاجماع عليه وكيف كان فقد حكى عن غير واحد كالعلامة والشهيدين والمحقق الثاني التصريح بأنه لوقت حسب له بل عن المناهل انه استظهر عدم الخلاف فيه فكان محط نظرهم ان مفاد النصوص والفتاوى انما هو تعلق الخمس بما عدا مقدار المؤنة فمقدار المؤنة مستثنى عما يتعلق به الخمس سواء انفقه أم لا وهو لا يخلو عن نطر لما أشرنا إليه من أن المتبادر من الاخبار انما هو استثناء ما ينفقه بالفعل كمؤنة المعدن ونحوها لا استثناء مقدارها فلو تبرع متبرع بنفقته فالظاهر أنه لا يحسب له ما يقابله من الربح فضلا عما لو قتر فيه كما صرح به غير واحد من مشايخنا رضوان الله عليهم بل لا يبعدان يقال إنه لو قصر في أداء بعض التكاليف المتوقفة على صرف المال كالحج ونحوه في عام استطاعته فزاد ربحه عن مؤنته وجب عليه الخمس فيما زاد وان لم يكن يزيد عنه شئ على تقدير الحج وكون الحج واجبا عليه في هذه السنة أو كون تداركه فيما يستقبل واجبا عليه لا يوجب ان يعد عرفا ما يجب صرفه فيه من مؤنة هذه السنة كي يستثنى من ربحها بل في كل سنة يصدر منه فعل الحج يعد مؤنته من مؤنة تلك السنة فيستثنى من ربحها بالخصوص وان حصلت الاستطاعة أو بعضها فيما سبق نعم لو لم يتمكن فيما بعد من أن يحج الا بحفظ هذا الربح لمؤنته لا يبعد ان يعد حينئذ من مؤنته في هذه السنة حيث يجب عليه حفظه لتفريغ ذمته عن الواجب كما لو وجب عليه امر بنذر وشبهه ولم يتمكن من الخروج عن عهدته الا بجميع ما يفضل عن مؤنته من الأرباح في سنين متعددة فإنه على الظاهر يعد حينئذ من المؤنة بل من أهمها كما أن من جملة المؤنة بل من أصله تفريغ ذمته عما عليه من الديون وأروش الجنايات والديات وقيم المتلفات نعم مع بقاء مقابل الدين حاله حال ما لو اشترى ذلك المقابل من ربح هذه السنة فان احتاج إلى صرفه في مؤنته احتسب من مؤنته والا فلو اشترى طعاما أو متاعا أو دابة أو غير ذلك في السنين السابقة على ذمته أو على ثمن استقرضه من ثالث ولم يخرج عن عهدته إلى هذه السنة اما لعدم تمكنه من الوفاء أو العدم حلول اجله أو مسامحة فأداه في هذه السنة مع بقاء المقابل فان احتاج إليه بالفعل بحيث لو لاه لكان شرائه بالفعل من مؤنته احتسب من مؤنته والا فمن الفاضل فاحتساب وفاء الدين من المؤنة مشروط بعدم بقاء المقابل أو احتياجه إليه بالفعل لا مطلقا كما يشهد به العرف ولا يعد على الظاهر جبر الخسارات أو تدارك النقص الوارد عليه بسرقة أو غصب ونحوه ولو في هذه السنة فضلا عن السنين السابقة من المؤنة عرفا نعم قد يتجه الجبر والتدارك فيما يتعلق بتجارة واحدة لا لكونه معدودا من المؤنة بل لعدم صدق الاستفادة والربح في تجارة الا إذا حصل له منها أزيد مما استعمله فيها ولا يلاحظ في اطلاق الربح والخسران كل جزئي جزئي من المعاملات بحياله تجارة مستقلة بل لا يبعدان يدعى ان المنساق إلى الذهن من مثل قوله عليه السلام إذا أمكنهم بعد مؤنتهم ارادته في الزيادة لا حاصلة في أموالهم بالتجارة والصناعة مما لا يحتاجون إلى صرفه في معيشتهم في عامهم فيتجه حينئذ جبر الخسارة والنقصان الواردة عليه في هذه السنة ولو في غير هذه التجارة ولكنه لا يخلو عن تأمل فلا شبه ما عرفت ولو كان للشخص مال لا يتعلق به الخمس ففي وجوب اخراج المؤنة منه أو من الربح أو منهما أوجه بل قيل أقوال خيرها أوسطها رفاقا لما حكى عن الشهيد والمحقق الثانيين وصاحبي المدارك والذخيرة وشارح المفاتيح بل أغلب من تعرض له بل هو مقتضى ظاهر كل من عبر عن عنوان هذا القسم في فتواه ومعقد اجماعه بما يفضل من الأرباح عن مؤنة السنة لأنه هو الظاهر من الأخبار الدالة على أن الخمس بعد المؤنة كخبر البزنطي قال كتبت إلى أبى جعفر عليه السلام الخمس اخرجه قبل المؤنة أو بعد المؤنة فكتب بعد المؤنة فان
(١٣١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 126 127 128 129 130 131 132 133 134 135 136 ... » »»