مصباح الفقيه (ط.ق) - آقا رضا الهمداني - ج ٣ - الصفحة ١٣
الله تعالى فرض عليكم الزكاة كما فرض عليكم الصلاة ففرض عليهم من الذهب والفضة وفرض عليهم الصدقة من الإبل و البقر والغنم ومن الحنطة والشعير والتمر و الزبيب ونادى فيهم بذلك في شهر رمضان وعفى عما سوى ذلك قال ثم لم يتعرض بشئ من أموالهم حتى حال عليه الحول من قابل فصاموا وأفطروا فأمر مناديه فنادى في المسلمين أيها المسلمون زكوا أموالكم تقبل صلاتكم ثم وجه عمال الصدقة وعمال الطسوق ولكن هذا كله بعد تسليم أصل الانصراف المزبور والقدر المتيقن منه الذي يصح تسليمه إنما هو انصراف أدلة الزكاة عن المال الذي ليس لمالكه من حيث هو التصرف فيه كيف ما شاء وإخراجه عن ملكه بهبة أو بيع ونحوه لقصور سلطنته بالذات كما في الوقف أو بواسطة تعلق حق الغير به كما في الرهن وشبهه لا مجرد تعلق حكم تكليفي بترك إخراجه عن ملكه أو صرفه في مصرف معين من غير أن يؤثر ذلك شرعا أو عرفا نقصا في ملكيته كما إذا منعه أبوه عن إخراج النصاب عن ملكه أو نذر بذلك أو حلف عليه فإن هذا النحو من المنع من التصرف ليس موجبا لانصراف الأدلة عنه جزما بل وكذا لو حلف على صرفه في مصرف معين لمصلحة نفسه مثلا فإن هذا أيضا غير موجب لنقص ملكيته ولا لانصراف أدلة الزكاة عنه فلا يصلح النذر وشبهه حينئذ مانعا عن تعلق الزكاة به عند حصول شرائطه كما تقدمت الإشارة إليه وأما نذر الصدقة وشبهها فقد التزمنا بانقطاع الحول به وما نعيته عن الزكاة لكونه لأجل سببيته للامر بدفعه إلى الفقير على الاطلاق موجبا لنقص ملكيته عرفا وشرعا كما تقدمت الإشارة إليه أنفا ولذا لم نلتزم بقاطعيته للحول فيما لو كان موقتا ولم يف به ولم نقل بوجوب قضائه فراجع فتلخص مما ذكر إن التمكن من التصرف الذي يمكن إثبات شرطية لتعلق الزكاة بالأدلة المزبورة عبارة عن كون ما يتعلق به الزكاة تحت يده حقيقة أو حكما أي يكون مستوليا عليه بحيث يكون إبقائه تحت يده في الحول اختياريا له وإن لا يكون ممنوعا عن التصرف فيه وإخراجه عن ملكه شرعا لنقص في ملكيته أما بالذات كما في الوقف أو لعارض كما في المرهون ومنذور الصدقة الذي صار بواسطة أمر الشارع بدفعه إلى الفقير بحكم غير المملوك في عدم تناول أدلة الزكاة له وأما مجرد المنع عن التصرف في وقت خاص مثلا الذي لا ينافي تمامية الملك عرفا كالأمثلة المزبورة فلا دليل على مانعيته عن الزكاة والله العالم * الثاني: مقتضى ظاهر جل الروايات المتقدمة الواردة في المال الغائب والمدفون بل كلها وكذا خبر ابن سنان المشتمل على تعليل نفي زكاة مال العبد على سيده بعدم وصوله إليه وصحيحة الفضلاء وكلما لم يحل عليه الحول عند ربه فلا شئ عليه وغير ذلك من الروايات الدالة على اعتبار حول الحول عنده إناطة وجوب الزكاة بوصول المال إليه واستيلائه عليه بالفعل أي كونه بالفعل في يده وتحت تصرفه فلا يكفي مجرد تمكنه من ذلك ولكن قد يقال بوجوب رفع اليد عن هذا الظاهر بجعل ما في هذه الأخبار من التعبير بالوصول إليه وكونه في يده وعنده كناية عن قوة التسلط والتمكن من التصرف أو جعل التمكن من إثبات اليد بمنزلة كونه في يده بالفعل بشهادة قوله عليه السلام في موثقة زرارة المتقدمة وإن كان يدعه متعمدا وهو يقدر على أخذه فعليه الزكاة لكل ما مر من السنين وعن دعائم الاسلام عن جعفر بن محمد (عع) أنه قال في الدين يكون للرجل على الرجل إذا كان غير ممنوع يأخذه متى شاء بلا خصومة ولا مدافعة فهو كسائر ما في يده من ماله يزكيه وإن كان الذي عليه يدافعه ولا يصل إليه إلا بخصومة فزكاته على من في يده وكذلك مال الغائب وكذلك مهر المرأة على زوجها وفيه عدم صلاحية هذين الخبرين لصرف تلك الروايات عن ظاهرها من اعتبار السلطنة الفعلية أما الموثقة فصدرها كغيرها من الاخبار ظاهر في عدم كفاية مجرد صيرورته قادرا على إخراجه في وجوب الزكاة بل يعتبر فيه فعلية الاخراج وربما يستشعر من هذه العبارة ورودها في مثل المال المدفون الذي نسي موضعه أو الدين وشبهه مما يصلح أن يطلق عليه عند استيفائه لفظ الاخراج فليتأمل وكيف كان فلا ظهور لما في ذيلها من قوله (ع) وإن كان يدعه متعمدا وهو يقدر على أخذه إلى آخره فيما ينافي ذلك أما إن كان المراد به الدين كما حمله عليه بعض في ظاهر كلامه فهو أجنبي عما نحن فيه وسيأتي الكلام فيه وإن كان المراد به العين فكذلك لأنه بمنزلة التصريح بمفهوم القيد المذكور في الصدر فمحصل مفاده أنه إن كان المال الغائب لم يكن خارجا عن تحت اختياره بل كان بحيث مهما أراد أن يأخذه أخذه كالمال المستودع و المذخور تحت الأرض وغير ذلك من الموارد التي لم يؤثر غيبته في الخروج عن تحت سلطنته الفعلية غرفا وهذا النحو من الغيبة غير مانع عن تعلق الزكاة جزما وإنما الكلام في الغيبة الموجبة لقطع سلطنته والخروج من تحت تصرفه بالفعل عرفا كما في ميراث الغائب والمسروق والمغصوب ونحوها مما هو خارج بالفعل عن تحت تصرفه ولكنه قادر على إثبات اليد عليه باستنقاذه من الغاصب أو الحضور في بلده والاستيلاء على أمواله التي ورثها من قريبه في حال غيبته والروايات المزبورة دلت بظاهرها على عدم تعلق الزكاة بهذه الأموال وعدم دخولها في الحول حتى يصل إليها ولا ينافي ذلك تعلقها بالقسم الأول الذي لم ينقطع عنه سلطنته بغيبته وبهذا يظهر الجواب عن الدعائم أيضا إذا المنساق منه ليس إلا إرادة هذا النحو من الغيبة هذا مع ما فيه من ضعف السند إن قلت مقتضى إطلاق قوله وإن كان يدعه متعمدا وهو يقدر على أخذه عدم الفرق في المال الغائب الذي يقدر على أخذه بين كونه مسبوقا بالعجز كما هو محل الكلام وعدمه قلت قد أشرنا إلى إن هذه القضية بمنزلة التصريح بمفهوم القيد المذكور في الصدر فيكون محصل مفاده إن ذلك الموضوع المفروض موضوعا للصدر لو لم يكن له هذا الوصف أي عدم القدرة بل كان قادرا على أخذه ولكنه لم يفعل متعمدا فعليه زكاته فالمال الذي لم يكن قادرا على أخذه ثم قدر عليه خارج عما هو المفروض موضوعا لهذه القضية كما يفصح عن ذلك مضافا إلى موافقته لقاعدة أخذ المفاهيم إيجاب الزكاة عليه لكل ما مر من السنين إذ لو لم يكن المفروض موضوعا في هذه القضية متصفا بالقدرة على أخذه من سنين غيبته لم يكن يثبت له هذا الحكم على الاطلاق كما لا يخفى إن قلت سلمنا خروج ما كان مسبوقا بالعجز عما هو المفروض موضوعا لهذه القضية ولكن يفهم حكمه منها بتنقيح المناط حيث يستفاد منه إناطة الحكم بالقدرة على الاخذ وهي حاصلة في الفرض وكونها مسبوقة بالعجز غير قادح في ذلك قلت بل المناط على ما يستفاد من الأخبار المتقدمة هي السلطنة الفعلية وهي منقطعة عرفا فيما هو المفروض موضوعا في القضية المزبورة وأما المال المنقطع عنه بسرقة ونحوها فلا تعود السلطنة الفعلية عليه عرفا إلا بإثبات يده عليه بالفعل ولا يكفي فيه مجرد قدرته عليه فلا يقاس هذا بذاك فضلا عن أن يفهم حكمه منه بتنقيح المناط ثم لو سلم ظهور هذه الموثقة في كفاية القدرة على إثبات اليد وعدم اعتبار كونه بالفعل تحت يده فنقول إن رفع اليد عن هذا الظاهر يحمله على
(١٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 8 9 10 11 12 13 14 15 16 17 18 ... » »»