مصباح الفقيه (ط.ق) - آقا رضا الهمداني - ج ٣ - الصفحة ١٧
سئلت أبا عبد الله عليه السلام عن الرجل يكون له دين قال كل دين يدعه وهو إذا أراد أخذه فعليه زكاته وما كان لا يقدر على أخذه فليس عليه زكاته وصحيحة أبي الصباح الكتاني عن أبي عبد الله عليه السلام في الرجل ينسى أو يعير فلا يزال ماله دينا كيف يصنع في زكاته فقال يزكيه ولا يزكي ما عليه من الدين إنما الزكاة على صاحب المال وعن الفقه الرضوي أنه قال وإن غاب عنك مالك فليس عليك الزكاة إلا أن يرجع إليك ويحول عليه الحول وهو في يدك إلا أن يكون مالك على رجل متى أردت أخذت منه فعليك زكاته ولا يعارضها الأخبار المتقدمة الدالة على إنه لا صدقة على الدين فإن مقتضى الجمع بينها و بين تلك الأخبار ارتكاب التقييد في تلك الأخبار بتخصيصها بما إذا لم تكن التأخير من قبل المالك كما هو الغالب ويرد على الاستدلال بموثقة زرارة أنها بظاهرها أجنبية عن المدعي أما خبر الكتاني فهو بظاهره معارض للمعتبرة المصرحة بأنه لا صدقة على الدين ولا يصح تخصيصه بالدين الذي يكون تأخيره من قبل صاحبه لان مورده النسبة الظاهرة في المؤجل الذي لا سلطنة للمالك على استيفائه مهما أراد ولا أقل من كون المؤجل من أظهر موارده الذي يكون صرف الرواية عنه أبعد من حملها على الاستحباب مع أن الغالب على الظن أنه المراد بالزكاة في هذه الرواية ككثير من أخبار الباب هي زكاة مال التجارة التي سيأتي الكلام فيها إن شاء الله وأما خبرا عمر بن يزيد و عبد العزيز فقد أجيب عنهما بضعف السند كعبارة الرضوي والأولى الجواب عنهما بالحمل على الاستحباب جمعا بينهما وبين خبر علي بن جعفر المروي عن كتابه وكتاب قرب الإسناد للحميري أنه سئل أخاه عن الدين يكون على القوم المياسير إذا شاء قبضه وصاحبه هل عليه زكاة قال لا حتى يقبضه ويحول عليه الحول وهذه الرواية كما تراها نص في عدم الوجوب وقضية الجمع بينها وبين الخبرين المتقدمين وكذا عبارة الرضوي وغيرها بعد التسليم سندها أو دلالتها إنما هو حمل تلك الأخبار على الاستحباب أو زكاة مال التجارة أو غيرها من المحامل هذا مع أن ارتكاب التأويل في تلك الأخبار بالحمل على الاستحباب في حد ذاته أهون من ارتكاب التخصيص والتأويل في العمومات النافية للزكاة على الدين وغيرها من الروايات الظاهرة في اختصاص موجبات الزكاة بالأعيان الخارجية المندرجة تحت مسميات الأجناس الزكوية حقيقة كما لا يخفى على المتأمل وربما يؤيد الاستحباب أيضا رواية علي بن جعفر الأخرى عن أخيه موسى (ع) قال ليس على الدين زكاة إلا أن يشاء رب الدين أن يزكيه ثم إنا لو أوجبنا الزكاة في الدين لاتجه تخصيصه بما إذا كان من جنس النقدين دون ما إذا كان الدين نعما لانصراف ما دل على ثبوت الزكاة في الدين عن مثله ولان السوم شرط و حصوله مما في الذمة لا يصح أن يوصف بكونه سائما كي يتوجه عليه إن السائمة والمعلوفة قسمان من حيوان فكما يجوز أن يثبت نفس الحيوان في الذمة يجوز أن يثبت كل من قسيمه فيها فإن شرط تعلق الزكاة بالانعام صدور وصف السوم منها في تمام الحول لا اتصافها بكونها سائمة ولو في الذمة كما لا يخفى والكافر يجب عليه الزكاة كغيرها من التكاليف الفرعية التي استفيض نقل الاجماع في كتب الأصول والفروع على كونه مكلفا بها لعموم أدلتها وخصوص قوله تعالى ويل للمشركين الذي لا يؤتون الزكاة وغيره وقد تقدم في مبحث غسل الجنابة من كتاب الطهارة مزيد توضيح وتحقيق لذلك فراجع لكن لا يصح منه أدائها لكونها من العبادات المشترطة بالقربة التي قد يظهر من كلماتهم التسالم على اشتراطها بالايمان كما ربما يشهد له النصوص المستفيضة إن لم تكن متواترة الدالة على اشتراط قبول الاعمال بالولاية ان لم يوال الأئمة (عل) فيكون أعماله بدلالتهم لم يكن له على الله شئ فيلزمه بطلان عمله والا يلزم استحقاق الاجر عليه وهو خلاف صريح الاخبار فليتأمل وعلله في محكي المعتبر وغيره بأن نية القربة معتبرة فيها وهي لا تصح من الكافر وفيه أنه إن تم ففي غير مثل النواصب والخوارج وغيرهم من الفرق المحكوم بكفرهم لانكار بعض الضروريات مع اعترافهم بالله تعالى وبوجوب الزكاة وكيف كان فإذا أسلم الكافر سقطت الزكاة عنه كما نص عليه غير واحد بل لم ينقل الخلاف فيه صريحا عن أحد نعم قد يلوح من المدارك الميل والقول بالخلاف فإنه بعد أن نقل عن المصنف في المعتبر والعلامة في جملة من كتبه التصريح بأن الزكاة تسقط عن الكافر بالاسلام وإن كان النصاب موجودا لقوله عليه السلام الاسلام يجب ما قبله قال ما لفظه ويجب التوقف في هذا الحكم لضعف الرواية المتضمنة للسقوط سندا ومتنا ولما روي في عدة أخبار صحيحة من أن المخالف إذا أستبصر لا يجب عليه إعادة شئ من العبادات التي أوقعها في حال ضلالته سوى الزكاة فإنه لابد أن يؤديها ومع ثبوت هذا الفرق في المخالف يكون أجرائه في الكافر وبالجملة فالوجوب على الكافر متحقق فيجب بقائه تحت العهدة إلى أن يحصل الامتثال أو يقوم على السقوط بالاسلام دليل يعتد به على إنه ربما لزم من هذا الحكم عدم وجوب الزكاة على الكافر كما في قضاء العبادات لامتناع أدائها في حال الكفر وسقوطها بالاسلام إلا أن يقال إن متعلق الوجوب إيصالها إلى الساعي وما في معناه في حال الكفر وينبغي التأمل في ذلك إنتهى أقول أما المناقشة في سند مثل هذه الرواية المشهورة المتسالم على العمل بها بين الأصحاب فمما لا ينبغي الالتفات إليها بل وكذا في دلالتها فإن مثل الزكاة والخمس والكفارات وأشباهها من الحقوق الثابتة في الاسلام بمنزلة القدر المتيقن منها كما يؤيد ذلك بل يدل على أصل المدعى قضاء الضرورة بجريان سيرة النبي صلى الله عليه وآله والأئمة (عل) القائمين مقامه على عدم مؤاخذة من دخل في الاسلام بشئ من هذه الحقوق بالنسبة إلى الأزمنة الماضية وأما المخالف الذي أستبصر فهو خارج عن مورد هذا الحكم فيجب عليه تدارك جميع ما فاته من التكاليف الثابتة في الاسلام مالية كان أم بدنية لكن ما أتى به منها على وفق مذهبه قبل استبصاره ممضى شرعا منه عليه مما عدى الزكاة المصروفة في غير مصرفها على ما نطق به الاخبار فهذا مما لا ربط له بالمقام ودعوى أن التفرقة بين الزكاة وغيرها في المخالف إنما هي باعتبار كونها متعلقة لحق الناس كما وقع في الاخبار التصريح به فهذا يكشف عن أن الزكاة أيضا كسائر الحقوق المالية للغير الثابتة على الكافر التي قد يتأمل أو يمنع عن كونه مشمولة الحديث الجب مدفوعة بأن الحقوق المالية القابلة للتأمل أو المنع عن كونها مشمولة للنص إنما هي الحقوق الثابتة عليه لا بشرع الاسلام كرد الأمانات والديون المستقرة في ذمته وإلا فقد أشرنا إلى أن الخمس والزكاة والكفارات ونظائرها من الحقوق المالية الناشئة من التكاليف المقررة في دين الاسلام من أظهر موارد الحديث
(١٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 12 13 14 15 16 17 18 19 20 21 22 ... » »»