الماء فيها فعرفت بقناة عضد الدولة أو قناة آل بويه كما بنى المهدم منها وأحكمها أشد من الأول وبقيت قرونا طوالا تسقي النجف وأهلها بأعذب الماء. وبالإضافة إلى ذلك فقد أراد عضد الدولة أن يجري الماء من الفرات إلى النجف تحت الأرض لأن أرض النجف مرتفعة لا يمكن أن يصل الماء إليها على وجه الأرض فحفر إلى جهة الشمال، فنبعت في أثناء الحفر عين منعت من مواصلة الحفر لكن ماءها ليس بشروب فاكتفى بها للانتفاع بها بغير الشرب وساق ماءها إلى آبار عميقة محكمة البناء ووصل بينها بقنوات محكمة يسير فيها الفارس فيجري الماء من بئر إلى بئر ثم يخرج منه إلى جهة المغرب.
إقامة المشهد الحسيني وعنايته بكربلا ولم يكن اهتمام عضد الدولة بمشهد الإمام الحسين ع بالحائر بأقل من مشهد أبيه ع في النجف، فإنه جدد حرم الحسين ع على أنقاض ما كان قد بني من قبل وبنى حوله أروقة متناسقة منتظمة وشيد على القبر المطهر قبة على شكل دائرة واتخذ حوله مسجدا وبنى بجانبه دورا للسكن ووسع الحائر وكسا الصندوق الموجود على القبر المطهر بالخشب الساج ووضع عليه الديباج والطنافس الحريرية وأنار القبر بالقناديل المذهبة وأوقف له موقوفات كثيرة. وفي زيارته للمشهد الحسيني لبضع بقين من جمادى الأول سنة 371 كما ذكر مؤلف فرحة الغري وضع في الصندوق دراهم فرقت على العلويين فأصاب كل منهم 32 درهما وكان عددهم 1200 اسم وتبرع بعشرة آلاف درهم وزعت على العوام والمجاورين وفرق على أهل الحائر مائة ألف رطل من التمر والدقيق و 500 قطعة من الثياب وأعطى الناظر عليهم ألف درهم، وقد أكمل هذا لبناء في شهر جمادى الأول سنة 371 بعد عمل دام ثلاث سنوات حيث كان قد بدأ به عام 369 وبقيت هذه العمارة على المشهد الحسيني حتى سنة 407 عندما احترق مشهد الحسين ع في ربيع الأول من هذه السنة وكان السبب في ذلك إن القوام أشعلوا شمعتين كبيرتين فسقطتا في جوف الليل على التأزير فاحترقتا. وقال الخواجة حميد الدين في تاريخه: إن عضد الدولة عثر على كنوز مملوءة بالذهب والفضة فصرفها كلها على تعمير المشهدين الحسيني والعلوي في كربلاء والنجف كذا.
هذا وكان عضد الدولة يزور كل سنة المشهدين الحسيني والعلوي مدة حكمه في بغداد مؤديا الزيارة لهما وليشرف بنفسه على البناء والعمران في المشهدين المقدسين وشؤون السكان وخاصة العلويين منهم.
أما بالنسبة للمدينة كربلاء فقد وجه عضد الدولة عناية فائقة نحو تمصيرها وتوسيعها حتى بنى لها سورا عاليا قدرت مساحته آنذاك 2400 قدم وشق لها قناة لسقي أهاليها فباتت كربلاء على عهده زاهرة عامرة، وأنشأ حول المرقد المقدس العمارات والخانات وبالغ في تشييد الأبنية حول المشهد وأسكنها كثيرا من القبائل العربية والبيوتات العلوية وغيرهما من الموالين لآل البيت ع، وأخذت المدينة بالتوسع شيئا فشيئا حتى تلاصقت العمارات بتوالي الأيام وقد بلغ عدد سكان المدينة في أواخر أيام عضد الدولة 2200 نسمة من العلويين عدا غيرهم من المسلمين، وكانت المدينة هذه تضم بين جدران سورها ثلاثة أحياء يدعى الأول محلة آل فايز والثاني محلة آل زحيك والثالث محلة آل عيسى نسبة إلى الأسر العلوية التي كانت تسكنها.
وقد دافع عضد الدولة عن كربلاء بجيوشه مرارا عديدة حيال هجمات المعتدين. من ذلك أن ضبة بن محمد الأسدي العيني الذي كان قد حكم مدينة عين التمر شفاثا حاليا الواقعة غربي كربلاء مدة 32 سنة والذي هجاه المتنبي قد أغار عام 369 على مدينة كربلاء ونهبها وحمل أهلها أسارى إلى قلعته في عين التمر فبلغ الخبر إلى عضد الدولة وهو في بغداد فمشى إليه بجيش يقارب ا 10 آلاف فارس وهاجم عين التمر وحاصر القلعة التي ألقى ضبة نفسه وجواده من أعلى سورها وترك أهله وماله فيها فتحطم جواده وتهشم ونجا هو بنفسه وولى هاربا مع بعض حاشيته إلى البادية. فاستولى عضد الدولة على القلعة وأخذ أهلها إلى كربلاء ووهبهم لخدمة المشهد الحسيني ع كما ارجع إلى كربلاء أهلها وكل ما كان قد سلب منهم وعين أحد العلويين رئيسا لعين التمر لرعاية شؤونها. وقد كان ذلك يوم الجمعة لليلتين خليتا من ذي الحجة سنة 369.
هذا وقد ازدهرت كربلاء في عهد عضد الدولة وتقدمت معالمها الدينية والسياسية والاقتصادية فاتسعت تجارتها وتقدمت زراعتها وأينعت علومها وآدابها وتخرج خلال ذلك منها علماء فطاحل وشعراء مجيدون.
عنايته بمشهد الكاظميين ومشهد العسكريين ولم يترك عضد الدولة مشهد الامامين الجوادين في مقابر قريش بضواحي بغداد من العناية والاهتمام فإنه كان يزور قبريهما الطاهرين في كل شهر مرة على الأقل مع أفراد حاشيته ورجال جيشه. وقد بنى في عام 367 سورا على ضريحي الامامين الهمامين ع وحول أبنية المشهد وقبتيه اللتين كان قد أقامهما عمه معز الدولة سنة 336 على قبري الامامين موسى الكاظم ومحمد الجواد ع. كما زاد عضد الدولة من التعمير داخل المشهد وخارجه وأضاف إلى التزيينات والأضوية والفرش أضعافا مضاعفة. وعمر المساجد والأسواق التي كانت مقامة حول المشهد والتي تدمرت بتوالي الفتن والغرق في بغداد وضواحيها. وكان هذا المشهد وحواليه قد أصبحت شبه قرية عامرة.
وقام عضد الدولة بتعمير مشهد الامامين العسكريين في سامراء وخاصة عمارة الروضة والأروقة ووسع الصحن وشيد سورا للبلد الذي أخذ بالاتساع وكان ذلك عام 368.
وفاة عضد الدولة وقبره توفي عضد الدولة ببغداد يوم الاثنين الثامن من شهر شوال سنة 372 عن 47 سنة و 11 شهرا وثلاثة أيام بعلة ما انتابه من مرض الصرع فضعفت قوته عن دفعه فخنقه ومات. ودفن بدار الملك في بغداد ثم نقل أوائل سنة 373 إلى مشهد أمير المؤمنين ع في النجف بناء على وصيته حيث دفن تحت قدمي الامام ع، وقد نقل عنه أنه حينما وافته المنية ردد ما أغنى عني ماليه هلك عني سلطانيه كما كان قد أوصى أن تنحت على صخرة قبره وكلبهم باسط ذراعيه بالوصيد فنفذت هذه الوصية، كما