شيراز وغيرها. فقد ذكر مؤلف زينة المجالس إن عضد الدولة كان قد بنى حوضا في إصطخر فارس له سبع درجات لو نزح منه ألف رجل في كل يوم مدة سنة لم ينقص منه إلا درجة وقد شاهد المؤلف هذا الحوض ومن منشآته أيضا السد الذي بناه على فم ماء كربار المعروف بسد بند أمير في أيالة فارس سنة 365 وأقامه من الحجر والساروج وهو لا زال قائما للآن.
ويعرف أيضا بسد أمير إسحاق أو سد عضد الدولة. وبنى عليه عمارة عالية لعبور عامة الناس منه وعمل عليه أيضا عدة طواحين والماء مشرف فوق هذه العمارة فيصب إلى أسفل. واشتهر عندئذ أن عضد الدولة جعل جبلا فوق البحر وبحرا فوق الجبل. كما أنشأ عضد الدولة في شيراز مارستانا مستشفى على غرار مارستان بغداد.
ومن اصلاحاته أيضا كما ذكر ابن الأثير إصلاح الطريق من العراق إلى مكة وإصلاح الآبار في طريق الحج وبناء الرباطات فيه واداؤه الخدمات الجليلة للحرمين الشريفين بمكة والمدينة ورفع الجباية عن قوافل الحجاج.
وحملت بأمره الكسوة الكثيرة أيضا لأهل الشرف والمقيمين بمدينة الرسول وغيرهم من ذوي الفاقات ومدت لهم الأقوات من البر والبحر.
إقامة المشهد العلوي واصلاحاته في النجف أما المشهد العلوي وإقامة القبة على قبر الإمام علي بن أبي طالب ع وإصلاح شؤون مدينة النجف فقد بالغ عضد الدولة في إجراء التعميرات والاصلاحات فيهما. وبدأ بذلك سنة 368 وبعد أن استقرت الأحوال له في بغداد، فإنه أي عضد الدولة شرع بتعمير هذا المشهد وأقام عمارة عظيمة على قبر الإمام علي ع وأنفق عليه أموالا كثيرة وستر حيطان المشهد بخشب الساج المنقوش ووقف له الأوقاف الوفيرة وبنى عليه قبة بيضاء. وفيها يقول ابن الحجاج الشاعر:
يا صاحب القبة البيضا على النجف من زار قبرك واستشفى لديك شفي وجاء في كتاب إرشاد القلوب إن السلطان عضد الدولة جاء إلى النجف وأقام فيها قريبا من سنة هو وعساكره وأتى بالصناع والأساتذة من مختلف الأطراف وخرب العمارة السابقة وصرف أموالا جزيلة وعمر عمارة جليلة حسنة وهي العمارة التي كانت قبل عمارة اليوم. وجاء في عمدة الطالب إن العمارة هذه التي أوقف عليها عضد الدولة أموالا طائلة بقيت حتى سنة 753 عندما احترقت كما أنه كتب اسمه على باب مشهد الامام ع وكتب جنبها وكلبهم باسط ذراعيه بالوصيد.
وكان عضد الدولة يزور في كل سنة المشهد العلوي بموكبه العظيم وقد جاء في فرحة الغري عن زيارته للمشهد سنة 371 بعد وصفه لزيارته المشهد الحسيني بكربلا ما نصه وخرج عضد الدولة من كربلاء وتوجه إلى الكوفة لخمس بقين من جمادى الأولى سنة 371 ودخلها وتوجه إلى المشهد الغروي يوم الاثنين ثاني يوم وروده وزار الحرم الشريف وطرح في الصندوق دراهم فأصاب كل واحد منهم واحدا وعشرين درهما وكان عدد العلويين 700 اسم وفرق على المجاورين وغيرهم خمسمائة وألف درهم وعلى المترددين خمسمائة وألف درهم وعلى الناحية ألف درهم وعلى الفقهاء والفقراء ثلاثة آلاف درهم وعلى المرتبين من الخازن والبواب على يد أبي الحسن العلوي وعلى يد أبي القاسم بن أبي عابد وأبي بكر بن سيار.
وأنشد أبو إسحاق الصابي يمدح عضد الدولة في هذه الزيارة بهذه الأبيات:
توجهت نحو المشهد العلم الفرد * على اليمن والتوفيق والطائر السعد تزور أمير المؤمنين فيا له * ويا لك من مجد منيخ على مجد فلم أر فوق الأرض مثلك زائرا * ولا تحتها مثل المزور إلى اللحد مددت إلى كوفان عارض نعمة * يصوب بلا برق يروع بلا رعد وتابعت أهليها ندى بمثوبة * فرحت إلى فوز وراحوا إلى رفد هذا وقد شاهد الرحالة ابن بطوطة عمارة عضد الدولة على المشهد العلوي سنة 727 فقال في وصفها:
دخلنا من باب الحضرة حيث القبر الذي يزعمون أنه قبر علي ع وبإزائه المدارس والزوايا والخوانق معمورة أحسن عمارة وحيطانها بالقشاني وهو شبه الزلج عندنا لكن لونه أشرق ونقشه أحسن ويدخل من باب الحفرة إلى مدرسة عظيمة يسكنها الطلبة والصوفية من الشيعة ولكل وارد عليها ضيافة ثلاثة أيام من الخبز واللحم والتمر، ومن تلك المدرسة يدخل إلى باب القبة.
وبعد أن أشار ابن بطوطة إلى الاستئذان وتقبيل العتبة قال وهي من الفضة وكذلك العضادتان ثم يدخل الزائر القبة وفي وسطها مصطبة مربعة مكسوة بالخشب عليه صفائح الذهب المنقوشة المحكمة العمل مسمرة بمسامير الفضة قد غلب على الخشب بحيث لا يظهر منه شئ وارتفاعها دون القامة إلى أن يقول وللقبة باب آخر عتبته أيضا من الفضة يفضي إلى مسجد وله أبواب أربعة عتبتها فضة...
وكان عضد الدولة أول من عين السادن والخدمة للمشهد المقدس بعد إتمام العمارة وأجرى لهم الأرزاق وبالغ بلزوم تنظيم شؤون الحضرة المقدسة، وقد قدم العلويين على غيرهم في سدانة المشهد وخدمته.
أما اهتمام عضد الدولة بقصبة النجف وعمرانها والاعتناء بساكنيها من اللاجئين إلى قبر الإمام علي ع فحدث عنه ولا حرج. فقد كان أول من قام بتحصينها ورد العادين عليها من اعراب البادية وغيرهم، فإنه في الوقت الذي كان يقوم بتعمير المشهد العلوي وإقامة القبة عليه حصن المدينة ببناء سور منيع حوله وهو أول من أقام السور عليها، ووسع البلدة حيث أصبحت حول المرقد المطهر بلاد صغيرة محيطة به وشجع العلويين وغيرهم للشخوص إلى النجف والسكن حول مشهد الإمام علي ع، وقد ذكر بعض المؤرخين أن عدد نفوس النجف عند زيارة عضد الدولة سنة 371 كان ما يقرب من 6000 نسمة هم من الشيعة الخلص وبينهم العلويون 1700 نسمة.
ولما كان الماء أساس العمران وكانت النجف محرومة منه لأنها تقع في أرض مرتفعة عن الكوفة ونهر الفرات فقد كان عضد الدولة من الأوائل الذي فكر في ايصال الماء إلى هذه المدينة، فان أول ما قام به في هذا المضمار أنه أصلح قناة عرفت بقناة آل أعين كانت قد حفرت في النجف سنة 250 ولكنها تهدمت بمرور الأيام، فاصلحها عضد الدولة وأجرى