مستدركات أعيان الشيعة - حسن الأمين - ج ١ - الصفحة ٦٩
المنهج المرسوم عانى جعفر بن محمد كثيرا في سبيل إزالة المخاوف والأوهام التي ساورت السلطان بشأن خطته أو منهجه المرسوم، فهو زعيم بيت ناهض دولا وناهضته دول وأقلق حكاما وفني من فني من رجاله وشبابه في ميادين القراع، فإذا قيل: أن جعفر بن محمد موتور وجد من يقبل ذلك، وإذا قيل: انه يهم بالانتقام والخلاف لم يستكثر ذلك عليه فكان هدفا للسعاة والوشاة غير أنه - والحق يقال - ما كان في هذا الدور من أدوار حياته معنيا بطلب الثأر ولا منطويا على الانتقام ولم يكن له منهج مرسوم غير أحياء السنن ونشر المعارف والآثار.
لذلك عني بحسم مادة تلك المخاوف الأوهام التي ساورت أمراء بني العباس وخامرتهم بشأنه، فقاطع فريقا من خصومهم المنابذين لهم سواء كانوا خصوما في السياسة أم في غيرها، قاطع طبقة معروفة من الأعلام في الحديث والرواية لأنها طبقة غير مرغوب فيها من قبل السلطان، ويلاحظ أن الجفاء كان شايعا جدا بين امراء الدولة العباسية وهذه الطبقة من النساك بل كان يتبرم باتصال من يتصل به منهم وينهاهم عن غشيان مجلسه لعلمه بان ذلك يزعج الحكام ويثير هواجسهم وهو يريد اتقاء شرهم على كل حال، تدلنا على ذلك قصته المعروفة مع سفيان الثوري - ولا تخفى منزلة سفيان في الحديث والرواية - فإنه دخل على جعفر بن محمد فقال له: " أنت رجل يطلبك السلطان وأنا رجل أتقي السلطان قم فأخرج غير مطرود ".
اتصال الوشايات هذا ولم تنقطع السعايات والوشايات بجعفر بن محمد، وأكثرها يدور على اتصاله بأنصاره وأوليائه في الحجاز وفي العراق وخراسان وأنهم كانوا يحملون زكاة أموالهم اليه، وقد وضعت على لسانه كتب إلى هؤلاء الأنصار يدعون فيها إلى خلع الخلفاء العباسيين، بيد أن المنصور لم يعبأ بكثير من هذه السعايات، وهكذا سلم أبو عبد الله من القتل ونجا من الحبس ولم يرتكب منه ما ارتكب من بعض أعلام المدينة والعراق في عصر المنصور.
ويميل بعضهم إلى تعليل هذه البادرة بادرة المحاسنة والرفق من قبل المنصور وقلة اكتراثه بتلك السعايات بعلل لا يخلو بعضها من المبالغة، وقد يستندون في ذلك إلى روايات لا يصبر أكثرها على النقد والتمحيص.
كان الخطر محدقا بجعفر بن محمد - ما في ذلك شك - ولكنه سلم على كل حال، وكانت سلامته في الواقع وسلامة كثير من أهل بيته وأصحابه أعجوبة في المحنة المذكورة، ولم يسلم إلا بشق النفس وبتوطينها على كثير من التحرز والتوقي، يدل على ذلك حديثه المشهور بل كلمته الحكيمة البليغة: " عزت السلامة حتى لقد خفي مطالبها فان تكن في شئ فيوشك أن تكون في الخمول، فإن طلبت في الخمول فلم توجد فيوشك أن تكون في التخلي - وليس كالخمول - فإن طلبت في التخلي فلم توجد فيوشك أن تكون في الصمت - وليس كالتخلي - فإن طلبت في الصمت فلم توجد فيوشك أن تكون في كلام السلف الصالح، والسعيد من وجد في نفسه خلوة يشتغل بها، وقوله: " أقلل من معرفة الناس وأنكر من عرفت منهم وإن كان لك مائة صديق فأطرح منهم تسعة وتسعين وكن من الواحد على حذر "، ومن أقواله في العزلة: " إذا أمكنك ألا تعرف فافعل "، ومرد سلامته - فيما نرى - إلى منهجه السلمي البحث البعيد عن العنف في معارضة المنصور والى أخذ نفسه بالقصد والحذر الشديد والاحتياط التام، يدل على ذلك رده للأموال ورفضه للرسائل التي أمر المنصور بكتابتها اليه والى غيره من العلويين على لسان أنصارهم وأوليائهم في العراق وخراسان لتكون حجة بيد المنصور عليهم، وهو من هذه الناحية منقطع النظير بين العلويين.
كان المنصور أخبر العباسيين قاطبة بموقف جعفر بن محمد وأكثرهم إطلاعا على منهجه السياسي، وتروى له مع المنصور أخبار غير قليلة، وفي رواية لابن طاووس أن المنصور استدعاه سبع مرات، ولا تخلو بعض الأخبار من التناقض فبينما نرى المنصور في منتهى العنف والشدة مع أبي عبد الله إذ نراه في غاية اللطف والرقة، بيد أنه على كل حال كان يدافع عن سكان دار الهجرة - بلده ومسقط رأسه - وعن كرامة أبنائها ومصالحهم العامة كلما رأى ما يدعو إلى ذلك في ديوان المنصور وفي أندية امراء الدولة، يظهر ذلك من احتجاجه على الربيع بن يونس حاجب المنصور لما قدم الوافدين من أهل مكة على الوافدين من أهل المدينة زاعما أن مكة هي " العش " فاجابه جعفر بن محمد قائلا: " أجل ولكنه عش طار خياره وبقى شراره ".
لقي المنصور جعفر بن محمد وأتصل به مرارا، بعضها في عصر بني أمية وبعضها في عصر بني العباس، وضمتهما محافل عدة عني الهاشميون بعقدها للمداولة في كيفية التخلص من حكم بني أمية، وفي بعض هذه المحافل كان الإمام يجاهر بآرائه في انتقال الدولة وصيرورتها إلى بني العباس ويخالف المتطلعين إليها من بني عمه الحسن وينهاهم عنها بمحضر من بني العباس، ومن الواضح أن لعبد الله ولولديه محمد وإبراهيم آراءهم في الإمامة وفي الخلافة وما إلى ذلك، وهي تختلف عن المتعالم المعروف من آراء جعفر بن محمد، ولا تخلو بعض كتب الحديث والسير من الإشارة إلى هذا الاختلاف والى أنه بلغ حد المشادة في بعض الأحيان.
الرياسة بين الهاشميين عني بنو هاشم في أواخر الدولة المروانية بالمداولة فيما يعانونه من عسف امراء الدولة المذكورة وفي سام الناس من سياستهم وانحرافهم عنهم في اجتماعات عدة عقدها الهاشميون سرا في الحجاز، وشهدها أعيان القوم علويوهم وعباسيوهم، شهدها جعفر بن محمد وعبد الله بن الحسن وابناه محمد وإبراهيم من العلويين، وشهدها أبو العباس السفاح وأخوه أبو جعفر المنصور وعماهما صالح وعبد الصمد ابنا علي وغيرهم من العباسيين، وكان نصب الرئيس واختيار الإمام من أهم الموضوعات التي دار عليها البحث في المحافل المذكورة، واختير للرياسة فيها محمد بن عبد الله بن الحسن المعروف بالنفس الزكية.
بايع الهاشميون محمد بن عبد الله إلا الإمام جعفر بن محمد فإنه اعترض على هذه البيعة معلنا أنها سابقة لأوانها وأن الدنيا مواتية لبني العباس دون غيرهم من الهاشميين، فلا فائدة من منازعتهم في ذلك، وكان الأمر كما قال.
تكافؤ القوى نهى جعفر بن محمد قومه عن عقد هذه البيعة، فهو يعلم أن هؤلاء العلويين متفرقون، وأكثرهم في الحجاز، والحجاز يومئذ من توابع العراق، وليس في العراق - حيث استخلصه العباسيون المغامرون، وحيث بويع أبو العباس السفاح - عدد يعتد به من العلويين المذكوريين، ثم أن هؤلاء العلويين من بني الحسن لم يشاركوا في حرب مروان بن محمد وفي الظفر به ولم يساهموا في انتزاع الجزيرة والشام وفلسطين ولا في انتزاع مصر والمغرب من الأمويين، هذا في الغرب، ويقال مثل هذا عن الشرق، أي أن الدولة العباسية هي الدولة القائمة
(٦٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 64 65 66 67 68 69 70 71 72 73 74 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 المقدمة - آتش حيدر علي فيضي - آصف الدولة - إبراهيم شرارة 5
2 إبراهيم العلوي بن حسين - إبراهيم مجتهد - أبو الحسن شمس آبادي - أبو الفضل الطهراني - أحمد القزويني بن السيد حميد 10
3 أحمد آل كاشف الغطاء - السيد أحمد الخونساري - أبو العلاء المعري 12
4 أحمد بن منير الطرابلسي 15
5 إسماعيل الصفوي 18
6 أفضل الدين الكاشاني 19
7 أسامة بن منقذ - انشاء الله خان - أنيس 21
8 باقر كاشف الغطاء - باقر أمين الورد - باقر سماكة بن الشيخ محمد - باقر عبد الغني - بدران المزيدي 22
9 البرسيين - بزرك أبو الحسن علوي 23
10 تقي الشيخ راضي - توفيق الفكيكي - جابر الشكري بن عزيز - جرأت - جعفر الخليلي 24
11 جعفر همدر 25
12 جواد علوش - جون 28
13 حبيب بن محمد - حسن علي نجابت - حسين الخادمي - ابن سينا 30
14 حسين القزويني 35
15 حسين معتوق - أبو نواس الحسن بن هاني 36
16 حسن البحراني 40
17 الحسين بن نما الحلي 41
18 حيدر الآملي 42
19 حيدري - خضر المهراني - خضر الطائي - الخطاطون في العهد الصفوي 43
20 الخليل الفراهيدي 46
21 خليل مغنية 47
22 خليل ياسين 48
23 دبير - دبيس المزيدي - دعبل الخزاعي 50
24 رجل من بني ليث - ذو فقار الدولة - راضي آل ياسين 51
25 رضي ذو النوري - راغب حرب - رحيم آرباب - زاير البرسي - سبط الحسن الجايسي - سعد صالح 52
26 سعيد نفيسي - سكينة بگم - سليم حيدر 53
27 سليمان عبد الجبار - سودا - شاكر هادي شكر - شهدة - صادق شفق 56
28 صادق الفحام - صالح الشهرستاني - صدر الدين الصدر 58
29 صدر الدين شرف الدين - صدر الدين الدهلوي - صفي 59
30 الضحاك المشرفي - ضياء الدين الخالصي - ضياء الدين العراقي 60
31 طاهر بن يحيى - طه باقر - الطفيل - طلائع بن رزيك 61
32 ظالم بن عمرو أبو الأسود الدؤلي 62
33 ظالم بن شراق - عابس الشاكري - العباسيون 64
34 عارف الحر 79
35 عباس اقبال 80
36 عباس أبو الحسن 81
37 عباس القمي - عباس الشيرازي - عباس القرشي 82
38 عباس الهمداني 83
39 عبد الحسين دست غيب - عبد الحسين الأميني - عبد الحسين الحلي 84
40 عبد الحسين نور الدين 85
41 عبد الرؤوف الأمين 86
42 عبد الرضا صادق 89
43 عبد الرضا المطبعي - عبد العزيز بن البراج 91
44 عبد الصاحب الحكيم - عبد الكريم الخليل 97
45 عبد الكريم بن طاووس - عبد الكريم الهاشمي - عبد الله الجزائري 100
46 عبد الله التستري - عبد الله الشيرازي - عبد الله الكلبي - عبد الله الطائي 101
47 عبد الله وعبد الرحمن الغفاريان - عبد الله أحمديه 102
48 عبد الله الشيرازي - عبد الله الصائغ 103
49 عبد الله بن سلمة - عبيد الله الكوفي - عبد المطلب الحلي 106
50 عبد المطلب الأمين 107
51 عبد المهدي مطر 112
52 عبد الله الجعفي - علي إبراهيم 115
53 علي رضا عباسي 117
54 علي أكبر دهخدا 119
55 علي أكبر نواب - علي الأنصاري الشيرازي - سيف الدولة علي بن حمدان 121
56 علي بن عبد الله بن العباس - علي البحراني - علي النوري 124
57 علي آل شبانة - علي البهبهاني - علي الشيرازي 125
58 علي بن الحسن شميم الحلي 126
59 علي بن حمدون - علي المراغي - علي الهمذاني 127
60 علي الميبدي - علي الخياباني - علي الأبزري - علي نياز - عطية الكوفي - عمرو الأنصاري - عمر الصيداوي - غالب 128
61 غلام رضا سرخي - فاضل الجمالي 129
62 فؤاد عباس 148
63 فتى من أهل الكوفة - الفضل بن جعفر - الفضل بن الزبير الكوفي 149
64 القاسم بن معية - القاسم بن مظاهر - قيس النابغة الجعدي 154
65 قيس النجاشي - كليب الجرمي - الكميت 155
66 لطف الله العاملي 160
67 لطف الله البحراني - ماجد الصادقي - عضد الدين المبارك الأسدي 162
68 مجيد العطار 163
69 محمد بن أبي بكر الهمذاني - محسن جمال الدين - محسن الموسوي - محمد أبو نصر الفارابي 164
70 محمد أبو النديم 174
71 محمد بن إدريس الحلي 178
72 محمد باقر - محمد حسين الكازروني - محمد الحسيني - محمد المتخلص - محمد الشيرازي - محمد معصوم - محمد الكازروني الطبيب - محمد الدهدار الشيرازي - محمد نصير الدين 179
73 محمد مهدي حجاب الشيرازي - محمد بن يوسف الشيرازي - محمد بن الحسين الشيخ البهائي 180
74 محمد الغفاري كمال الملك 181
75 محمد باقر الدهلوي - محمد صادق بحر العلوم - محمد بهشتي 183
76 محمد تقي بهار 184
77 محمد الحجة - محمد جمال الهاشمي 185
78 محمد حرز الدين - محمد الخليلي 186
79 محمد حسن الحكيم 187
80 محمد أبو جعفر الطوسي 188
81 محمد تقي الآملي 199
82 محمد جواد باهنر - محمد حسين آزاد - محمد الطباطبائي - محمد رضا الشبيبي 200
83 محمد رضا القمي - محمد شريف خان - محمد مفتح - محمد بن الأبار 204
84 محمد الشويكي 205
85 محمد شرارة 206
86 محمد حسين الشهرستاني 210
87 محمد صادق نشأت - محمد رضا شرف الدين 211
88 محمد آل شبانة - محمد صدوقي 212
89 محمد الأردوبادي - محمد علي بري - محمد الشيباني 213
90 محمد علي خاتون - محمد الصاحبي - محمد الجزائري - محمد المدرسي 218
91 محمد المعصومي - محمد بن طباطبا - محمد جواد - محمد ناصر 219
92 محمد علي اليعقوبي 221
93 محمد بن عمر الكشي - محمد قسام - محمد قطب شاه 222
94 محمد قلي قطب شاه - دول الهند الشيعية - محمد كال شعيب 223
95 محمد المقدادي القمي 225
96 محمد بن المبارك الكرخي - محمد نصير الدين الطوسي 228
97 محمد بن مكي الشهيد الأول - محمد الجبي 237
98 محمد هاشم الأشكوري 240
99 محمد بن هاني الأندلسي 241
100 محمد يوسف مقلد 243
101 محمد بن المبارك الكرخي 244
102 محمد مهدي البصير 245
103 محمود بن الياس الشيرازي - محمود الحبوبي 246
104 محمود الحمصي 249
105 محمود الشاهرودي - محمود الطالقاني - محمود بن مسعود الشيرازي - محيي الدين شمس الدين 250
106 مرتضى مطهري - مزيد المزيدي - مصطفى جواد 252
107 معاذ بن مسلم الهراء - المقداد السيوري - مهيار الديلمي 253
108 موسى الزين شرارة 268
109 موسى سيار الشيرازي - مير أمين - مير حسن - مير آبادي 270
110 ناسخ - ناصر الدين الشيخ راشد - نصر الخبز أرزي 271
111 نصير الدين ناصر العلوكي 272
112 ناصيف النصار 274
113 نصر بن علي الحلي - نصير الدين المنازي - نظير - نواب صفوي 280
114 النوار ابنة مالك - هادي النحوي - هادي كمال الدين - هاشم معروف الحسني 283
115 هبة الله بن علي - ابن الشجري 284
116 ورام الحلي - يحيى القرشي - يزدن التركي 285
117 يزيد بن قيس - يزيد بن زياد الكندي - يزيد بن مفرغ 286
118 يحيى بن البطريق 289
119 يعقوب بن داود 290
120 يوسف بن المطهر - يوسف رجيب - يونس الأردبيلي - الأمويون والإسلام والعروبة 291
121 الشيعة يحمون العالم الإسلامي 296
122 الحجاج بن يوسف 299
123 كلمة الختام 301