الحسن وعن أعيان الزيدية وعن رؤساء بعض الفرق وأصحاب المقالات المختلفة في الإمامة ممن عاصروا أبا عبد الله جعفر بن محمد، تارة يحسبونهم في أصحابه وطورا يعدونهم في خصومه المنحرفين عنه، وهذا التخليط في أقوال المؤلفين وأصحاب معاجم الرواة محمول على اضطراب علاقات بني الحسن أعيان الزيدية ورؤساء الفرق وأصحاب المقالات المتضاربة المختلفة بالامام جعفر بن محمد تبعا لاختلاف الأحوال والأزمنة، والأمثلة على ذلك كثيرة، ومنها انك ترى جل وجوه بني الحسن المذكورين معدودين في بعض هذه الكتب والمعاجم في أصحاب الإمامين محمد بن علي الباقر وابنه جعفر بن محمد الصادق المتحملين عنهما مثل عبد الله بن الحسن، وأخيه زيد بن الحسن، ومحمد المدعو بالنفس الزكية وأخويه إبراهيم وموسى أبناء عبد الله بن الحسن، ويحتج القائلون باستقامتهم وصحبتهم برسالة بعث بها الامام المذكور إلى عبد الله بن الحسن مصدرة بقوله: " إلى الخلف الصالح والذرية الطيبة من ولد أخيه وابن عمه " وليس هذا الاحتجاج بشئ فيما نرى لأنها رسالة تعزية بنكبة المنصور لبني الحسن عند حملهم من المدينة إلى العراق وسجنهم في الهاشمية، هذا إذا صحت رواية هذه الرسالة، ونحن لا نميل إلى صحة هذه الرواية.
ومن هذا القبيل اضطراب رواياتهم وأقوالهم في عيسى بن زيد - المار ذكره فقد عد في أصحاب جعفر بن محمد المتحملين عنه وقد غمزه وأهمله آخرون - وممن اضطربت أقوالهم فيه الحسن بن زيد بن الحسن والي المدينة للمنصور تارة يعدونه في أصحاب جعفر بن محمد ويصفونه بالصدق والفضل ومرة يشيرون إلى خصومته وشدة وطأته على الامام المذكور. ومما لا شك فيه وشايته ببني عمه الحسن عند المنصور.
ومن واجب المؤرخ الباحث عن الحق في هذا الباب أن يقارن ما جاء في بعض معاجم الرواة للشيخ الطوسي والكشي والنجاشي وما ورد في غيرها من كتب المؤرخين مثل تاريخ بغداد للخطيب - وقد ترجم لغير واحد من بني الحسن -، وتاريخ دمشق لابن عساكر - وقد ترجم كذلك لعدد منهم ومن غيرهم من الهاشميين، وكتاب التقريب لابن حجر - وغيرها من كتب التاريخ ففي هذه التواريخ - تواريخ الخطيب وابن عساكر وابن حجر - ما فيها من الأعاجيب والروايات الغريبة المدهشة المروية عن بني الحسن وقد اعتبر بعضهم هذه الروايات مفتعلة موضوعة على القوم أو صادرة عن الهوى والغرض وليس من السهل - فيما نرى - تكذيب كل ما ورد في كتب التاريخ عن هؤلاء الهاشميين وأن كانت كتب التاريخ والحديث مشحونة بالأحاديث الموضوعة، وفي وسعك أن تعرف من ايراد هذه الروايات على ما هي عليه من التناقض والتباين في كتب اولائك المحدثين والمؤرخين إلى أي حد بلغت القطيعة والجفاء والسخائم بين فرق هذه الأمة.
ملاحظات الباحثين لاحظ الباحثون في نقد الرواة هذا الاضطراب فحاولوا وضع بعض القواعد والأصول للتوفيق بين هذه الأقوال المضطربة قائلين أن روايات المتهمين والمضعفين والغلاة تنقسم إلى قسمين فإن كان لهؤلاء الرواة حال استقامة وحال غلو أو ضلال عمل بما ورد في حال الاستقامة وترك ما رووه في حال الخطا، وهو موضوع يستدعي كثيرا من التمحيص والاستقصاء ودقة النظر في تاريخ الاعلام وسير الرواة.
وقد توسع آخرون في هذا الأصل قائلين ان المهم في الأصل المذكور أن يكون الراوي صادقا غير كاذب وأن كان مخطئا في أصول اعتقاده عندهم، ومن أجل ذلك لم يردوا كثيرا من روايات الرواة المنسوبين إلى الفطحية والناووسية و الواقفة وغيرها، ومن أجل ذلك أيضا ذهبوا إلى تصحيح ما يصح عن بعض الجارودية وغيرهم من فرق الزيدية. ومجمل القول: يعتبر هذا العصر عصر بلبلة ونزاع واختلاف بين رؤساء الفرق وأرباب المقالات في الإمامة وفي الاخفة، وهو نزاع له علله وأسبابه - بلا شك - ومن المفيد تحرير هذا النزاع وعلله المذكورة وتقريبها على الصورة الآتية:
نزاع في الأصول لهذا الاختلاف بين بطون الأسر العلوية ثم بين اتباعها في العصر المذكور ألوان وعلل شتى، منها ما يدخل في الأصول ومنها ما يدخل في الفروع، ومن النوع الأول اختلافهم في نظام الإمامة وفي كيفية عقدها، فمنهم من الجهاد والخروج أمرا بالمعروف ونهيا عن المنكر، ركنا من أركان الإمامة، وهؤلاء هم الزيدية على اختلاف فرقهم، ولما لم يكن هذا النوع من الخروج من منهج جعفر بن محمد في هذا العصر - كما رأينا - لم تثبت إمامته عند هؤلاء فعدلوا إلى القول بامامة من خرج من العلويين على الاطلاق.
ويفهم من كثير من الروايات أن جعفر بن محمد وأصحابه نظروا إلى زيد نظرة تختلف عن نظرتهم إلى الزيدية المعروفين في العصر المذكور، وقد أجمعت كلمتهم تقريبا على أن عقيدة زيد في الإمامة لا تختلف عن عقيدتهم وإن كان كثير من الزيدية لا يسلمون لهم ذلك، وإذا ما قال أصحاب جعفر بن محمد بأن زيدا امام فإنهم يعنون انه امام في العلم والورع والامر بالمعروف والنهي عن المنكر.
من هذه الناحية كانت بين بواعث ثورة بني الحسن على العباسيين وثورة زيد بن علي على الأمويين فروق ظاهرة فان ثورة بني الحسن كانت - فيما نرى - هجومية مسبوقة بمطالبهم المعروفة في الخلافة مستندة إلى القول بان محمد بن عبد الله هو المهدي الذي بشرت فيه الأحاديث، وكانت ثورة زيد بن علي من نوع آخر كانت ضربا من ضروب الدفاع عن النفس وعن الكرامات والأحساب، ولا يخفى أن زيدا سيم خطة من الذل والخسف لا تطاق في مجلس هشام بن عبد الملك وعانى أثناء اقامته في الشام ما عانى من امراء الدولة الأموية واستخفافهم به، ولم يتمالك بعد أن أقيم من مجلس هشام بأمره أن يقول: " لم يكره قوم حد السيوف الا ذلوا "، ويلاحظ أن أحدا من بني الحسن لم يساهم في الثورة، وقد يكون مرد ذلك إلى بعد المدينة عن الكوفة وفي المدينة يقيم جل بني الحسن، وبعض أشياخهم يكثر من التردد بينها وبين الشام فهم بعيدون عن العراق لا سيما إذا علمنا أن الثورة الزيدية من الحوادث التي فوجئ بها العلويون في كل مكان، هذا ومن رأي بعض المؤرخين أن زيدا كان يحدث نفسه بالخلافة دائما ويرى أنه أهل لذلك.
من هم بنو الحسن؟
يعنينا من ذكر هؤلاء الطالبيين والعلويين حسنيين وحسينيين في هذه الفصول، انهم ممن سنوا للعرب وللناس كافة، سنة الأنفة والاباء، وعلموهم معنى الصبر والنجدة واختيار الموت على الحياة الدنية، وتقبل مذاهب الأجداد في اباء الضيم والعزوف عن الذل، فمنهم القائل: " ذل من أحب الحياة " ومنهم من قال: " لا أعطيكم اعطاء الذليل كرهوا الدنية وفضلوا عليها المنية، إلى غير ذلك من محاسن الشيم والاخلاق.