عجائب الآثار - الجبرتي - ج ١ - الصفحة ١٥
الأنبياء عليهم الصلاة والسلام الدين المشروع الذي وصاهم الله بإقامته في قوله تعالى * (شرع لكم من الدين ما وصى به نوحا) * فكل امر من أمور الخلائق دنيا وأخرى عاجلا وآجلا قولا وفعلا حركة وسكونا جار على نهج العدالة ما دام موزونا بهذا الميزان ومنحرف عنها بقدر انحرافه عنه ولا تصح الإقامة بالعدالة الا بالعلم وهو اتباع احكام الكتاب والسنة الثاني العلماء الذين هم ورثة الأنبياء فهم فهموا مقامات القدوة من الأنبياء وان لم يعطوا درجاتهم واقتدوا بهداهم واقتفوا آثارهم إذ هم أحباب الله وصفوته من خلقه ومشرق نور حكمته فصدقوا بما اتوا به وسروا على سبيلهم وايدوا دعوتهم ونشروا حكمتهم كشفا وفهما ذوقا وتحقيقا ايمانا وعلما بكمال المتابعة لهم ظاهرا وباطنا فلا يزالون مواظبين على تمهيد قواعد العدل واظهار الحق برفع منار الشرع وإقامة اعلام الهدى والاسلام واحكام مباني التقوى برعاية الأحوط في الفتوى تزهدا للرخص لأنهم امناء لله في العالم وخلاصة بني ادم مخلصون في مقام العبودية مجتهدون في اتباع أحكام الشريعة عن باب الحبيب لا يبرحون ومن خشية ربهم مشفقون مقبلون على الله تعالى بطهارة الاسرار وطائرون اليه بأجنحة العلم والأنوار هم ابطال ميادين العظمة وبلابل بساتين العلم والمكالمة أولئك هم الوارثون الذين يرثون الفردوس هم فيها خالدون وتلذذوا بنعيم المشاهدة ولهم عند ربهم ما يشتهون وما ظهر في هذا الزمان من الاختلال في حال البعض من حب الجاه والمال والرياسة والمنصب والحسد والحقد لا يقدح في حال الجميع لأنه لا يخلو الزمان من محقيهم وان كثر المبطلون ولكنهم اخفياء مستورون تحت قباب الخمول لا تكشف عن حالهم يد الغيرة الإلهية والحكمة الأزلية وهم آحاد الأكوان وافراد الزمان وخلفاء الرحمن وهم مصابيح الغيوب مفاتيح اقفال القلوب وهم خلاصة خاصة الله من خلقه وما برحوا ابدا في مقعد صدقه بهم يهتدي كل حيران ويرتوي كل ظمآن وذلك أن
(١٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 10 11 12 13 14 15 16 17 18 19 20 ... » »»