عجائب الآثار - الجبرتي - ج ١ - الصفحة ١٣
مقدمة اعلم أن الله تعالى لما خلق الأرض ودحاها وأخرج منها ماءها ومرعاها وبث فيها من كل دابة وقدر أقواتها أحوج بعض الناس إلى بعض في ترتيب معايشهم ومآكلهم وتحصيل ملابسهم ومساكنهم لأنهم ليسوا كسائر الحيوانات التي تحصل ما تحتاج اليه بغير صنعة فان الله تعالى خلق الانسان ضعيفا لا يستقل وحده بأمر معاشه لاحتياجه إلى غذاء ومسكن ولباس وسلاح فجعلهم الله تعالى يتعاضدون يتعاونون في تحصيلها وترتيبها بان يزرع هذا الذاك ويخبز ذاك لهذا وعلى هذا القياس تتم سائر أمورهم ومصالحهم وركز في نفوسهم الظلم والعدل ثم مست الحاجة بينهم ميزانا للعدالة وقانونا للسياسة توزن به حركاتهم وسكناتهم وترجع اليه طاعاتهم ومعاملاتهم فانزل الله كتابه بالحق وميزانه بالعدل كما قال تعالى * (الله الذي أنزل الكتاب بالحق والميزان) * قال علماء التفسير المراد بالكتاب والميزان العلم والعدل وكانت مباشرة هذا الامر من الله بنفسه من غير واسطة وسبب على خلاف ترتيب المملكة وقانون الحكمة فاستخلف فيها من الآدميين خلائف ووضع في قلوبهم العلم والعدل ليحكموا بهما بين الناس حتى يصدر تدبيرهم عن دين مشروع وتجتمع كلمتهم على رأي متبوع ولو تنازعوا في وضع الشريعة لفسد نظامهم واختل معاشهم فمعنى الخلافة هو ان ينوب أحد مناب آخر في
(١٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 8 9 10 11 12 13 14 15 16 17 18 ... » »»