عجائب الآثار - الجبرتي - ج ١ - الصفحة ١٤
التصرف واقفا على حدود أوامره ونواهيه وأما معنى العدالة فهي خلق في النفس أو صفة في الذات تقتضي المساواة لأنها أكمل الفضائل لشمول اثرها وعموم منفعتها كل شيء وانما الانسان عادلا لما وهبه الله قسطا من عدله وجعله سببا وواسطة لايصال فيض واستخلفه في ارضه بهذه الصفة حتى يحكم بين الناس بالحق والعدل كما قال تعالى * (يا داود إنا جعلناك خليفة في الأرض فاحكم بين الناس بالحق) * وخلائف الله هم القائمون بالقسط والعدالة في طريق الاستقامة ومن يتعد حدود الله فقد ظلم نفسه والعدالة تابعة للعلم بأوساط الأمور المعبر عنها في الشريعة بالصراط المستقيم وقوله تعالى * (إن ربي على صراط مستقيم) * إشارة إلى أن العدالة الحقيقة ليست الا لله تعالى فهو العادل الحقيقي الذي لا يعزب عنه مثقال ذرة في الأرض ولا في السماء ووضع كل شيء على مقتضى علمه الكامل وعدله الشامل وقوله صلى الله عليه وسلم بالعدل قامت السماوات والأرض إشارة إلى عدل الله تعالى الذي جعل لكل شيء قدرا لو فرض فارض زائدا عليه أو ناقصا عنه لم ينتظم الوجود على هذا النظام بهذا التمام والكمال أصناف العدل من الخلائق خمسة ورفع الله بعضهم فوق بعض درجات كما قال تعالى * (وهو الذي جعلكم خلائف الأرض ورفع بعضكم فوق بعض درجات) * الأول الأنبياء عليهم الصلاة والسلام فهم أدلاء الأمة وعمد الدين ومعادن حكم الكتاب وأمناء الله في خلقه هم السرج المنيرة على سبيل الهدى وحملة الأمانة عن الله إلى خلقه بالهداية بعثهم الله رسلا إلى قومهم وانزل معهم الكتاب والميزان ولا يتعدون حدود ما أنزل الله إليهم من الأوامر والزواجر ارشادا وهداية لهم حتى يقوم الناس بالقسط والحق ويخرجونهم من ظلمات الكفر والطغيان إلى نور اليقظة والايمان وهم سبب نجاتهم من دركات جهنم إلى درجات الجنان وميزان عدالة
(١٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 9 10 11 12 13 14 15 16 17 18 19 ... » »»