تفسير البغوي - البغوي - ج ١ - الصفحة ٥٣
والسدي نزلت في المنافقين يقول مثلهم في نفاقهم كمثل رجل أوقد نارا في ليلة مظلمة في مفازة فاستدفأ ورأى ما حوله فاتقى مما يخاف فبينما هو كذلك إذ طفئت ناره فبقي في ظلمة خائفا متحيرا فكذلك المنافقون بإظهار كلمة الإيمان أمنوا على أموالهم وأولادهم وناكحوا المؤمنين ووارثوهم وقاسموهم الغنائم فذلك نورهم فإذا ماتوا عادوا إلى الظلمة والخوف وقيل ذهاب نورهم في القبر وقيل في القيامة حيث يقولون للذين آمنوا انظرونا نقتبس من نوركم وقيل ذهاب نورهم بإظهار عقيدتهم على لسان النبي صلى الله عليه وسلم فضرب النار مثلا ثم لم يقل أطفأ الله نارهم لكن عبر بإذهاب النور عنه لأن النور نور وحرارة فيذهب نورهم وتبقى الحرارة عليهم وقال مجاهد إضاءة النار إقبالهم إلى المسلمين والهدى وذهاب نورهم إقبالهم إلى المشركين والضلالة وقال عطاء ومحمد بن كعب نزلت في اليهود وانتظارهم خروج النبي صلى الله عليه وسلم واستفتاحهم به على مشركي العرب فلما خرج كفروا به ثم وصفهم الله فقال 18 (صم) أي هم صم عن الحق لا يقبلونه وإذا لم يقبلوا فكأنهم لم يسمعوا (بكم) خرس عن الحق لا يقولونه أو أنهم لما أبطنوا خلاف ما أظهروا فكأنهم لم ينطقوا بالحق (عمي) أي لا بصائر لهم ومن لا بصيرة له كمن لا بصر له (فهم لا يرجعون) عن الضلالة إلى الحق 19 (أو كصيب) أي كأصحاب صيب وهذا مثل آخر ضربه الله تعالى للمنافقين بمعنى إن شئت مثلهم بالمستوقد وإن شئت بأهل الصيب وقيل أو بمعنى الواو يريد وكصيب كقوله تعالى (أو يزيدون) بمعنى ويزيدون والصيب المطر وكل ما نزل من الأعلى إلى الأسفل فهو صيب فعيل من صاب يصوب أي نزل (من السماء) أي من السحاب وقيل هي السماء بعينها والسماء كل ما علاك فأظلك وهي من أسماء الأجناس يكون واحدا وجمعا (فيه) أي في الصيب وقيل في السماء أي في السحاب ولذلك ذكره وقيل السماء يذكر ويؤنث قال الله تعالى (السماء منفطر به) وقال (إذا السماء انفطرت) (ظلمات) جمع ظلمة (ورعد) وهو الصوت الذي يسمع من السحاب (وبرق) وهو النار التي تخرج منه قال علي وابن عباس وأكثر المفسرين الرعد اسم ملك يسوق السحاب والبرق لمعان سوط من نور يزجر به الملك السحاب وقيل الصوب زجر السحاب وقيل تسبيح الملك وقيل الرعد نطق الملك والبرق ضحكه وقال مجاهد الرعد اسم الملك ويقال لصوته أيضا رعد والبرق اسم ملك يسوق السحاب وقال شهر بن حوشب الرعد ملك يزجر فإذا تبددت ضمها فإذا اشتد غضبه طارت من فيه النار فهي الصواعق وقيل الرعد صوت انحراق الريح بين السحاب والأول أصح يجعلون أصابعهم في آذانهم من الصواعق جمع صاعقة وهي الصيحة التي يموت من يسمعها أو يغشى عليه ويقال لكل عذاب مهلك صاعقة وقال الصاعقة قطعة عذاب ينزلها الله على من يشاء روي عن سالم بن عبد الله بن عمر عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا سمع صوت الرعد والصواعق قال \ اللهم لا تقتلنا بغضبك ولا تهلكنا بعذابك وعافنا قبل ذلك \ قوله (حذر الموت) أي مخافة الهلاك
(٥٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 48 49 50 51 52 53 54 55 56 57 58 ... » »»