مفردات غريب القرآن - الراغب الأصفهانى - الصفحة ٤٦٣
الذين حملوا التوراة) الآية، أي هم في جهلهم بمضمون حقائق التوراة كالحمار في جهله بما على ظهره من الاسفار، وقوله: (واتبع هواه فمثله كمثل الكلب إن تحمل عليه يلهث أو تتركه يلهث) فإنه شبهه بملازمته واتباعه هواه، وقلة مزايلته له بالكلب الذي لا يزايل اللهث على جميع الأحوال. وقوله: (مثلهم كمثل الذي استوقد نارا) الآية فإنه شبه من آتاه الله تعالى ضربا من الهداية والمعاون فأضاعه ولم يتوصل به إلى ما رشح له من نعيم الأبد بمن استوقد نارا في ظلمة، فلما أضاءت له ضيعها ونكس فعاد في الظلمة، وقوله: (ومثل الذين كفروا كمثل الذي ينعق بما لا يسمع إلا دعاء ونداء) فإنه قصد تشبيه المدعو بالغنم فأجمل وراعى مقابلة المعنى دون مقابلة الألفاظ وبسط الكلام مثل راعى الذين كفروا، والذين كفروا كمثل الذي ينعق بالغنم، ومثل الغنم التي لا تسمع إلا دعاء ونداء. وعلى هذا النحو قوله (مثل الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله كمثل حبة أنبتت سبع سنابل في كل سنبلة مائة حبة) ومثله قوله (مثل ما ينفقون في هذه الحياة الدنيا كمثل ريح فيها صر) وعلى هذا النحو ما جاء من أمثاله. والمثال مقابلة شئ بشئ هو نظيره أو وضع شئ ما ليحتذى به فيما يفعل، والمثلة نقمة تنزل بالانسان فيجعل مثالا يرتدع به غيره وذلك كالنكال، وجمعه مثلات ومثلات، وقد قرئ (من قبلهم المثلات) والمثلات بإسكان الثاء على التخفيف نحو: عضد وعضد، وقد أمثل السلطان فلانا إذا نكل به، والأمثل يعبر به عن الأشبه بالأفاضل والأقرب إلى الخير، وأماثل القوم كناية عن خيارهم، وعلى هذا قوله (إذ يقول أمثلهم طريقة إن لبثتم إلا يوما) وقال (ويذهبا بطريقتكم المثلى) أي الأشبه بالفضيلة، وهي تأنيث الأمثل.
مجد: المجد السعة في الكرم والجلال، وقد تقدم الكلام في الكرم، يقال مجد يمجد مجدا ومجادة، وأصل المجد من قولهم مجدت الإبل إذا حصلت في مرعى كثير واسع، وقد أمجدها الراعي، وتقول العرب في كل شجر نار واستمجد المرخ والعفار، وقولهم في صفة الله تعالى المجيد أي يجرى السعة في بذل الفضل المختص به وقوله في صفة القرآن: (ق والقرآن المجيد) فوصفه بذلك لكثرة ما يتضمن من المكارم الدنيوية والأخروية، وعلى هذا وصفه بالكريم بقوله (إنه لقرآن كريم) وعلى نحوه (بل هو قرآن مجيد) وقوله (ذو العرش المجيد) فوصفه بذلك لسعة فيضه وكثرة جوده، وقرئ (المجيد) بالكسر فلجلالته وعظم قدره، وما أشار إليه النبي صلى الله عليه وسلم بقوله " ما الكرسي في جنب العرش إلا كحلقة ملقاة في أرض فلاة " وعلى
(٤٦٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 458 459 460 461 462 463 464 465 466 467 468 ... » »»
الفهرست