مفردات غريب القرآن - الراغب الأصفهانى - الصفحة ٤٢٥
(وإن منهم لفريقا يلوون ألسنتهم بالكتاب لتحسبوه من الكتاب وما هو من الكتاب) فالكتاب الأول ما كتبوه بأيديهم المذكورة في قوله (فويل للذين يكتبون الكتاب بأيديهم) والكتاب الثاني التوراة، والثالث لجنس كتب الله أي ما هو من شئ من كتب الله سبحانه وتعالى وكلامه، وقوله (ولقد آتينا موسى الكتاب والفرقان) فقد قيل هما عبارتان عن التوراة وتسميتها كتابا اعتبارا بما أثبت فيها من الاحكام، وتسميتها فرقانا اعتبارا بما فيها من الفرق بين الحق والباطل. وقوله:
(وما كان لنفس أن تموت إلا بإذن الله كتابا مؤجلا) أي حكما (لولا كتاب من الله سبق لمسكم) وقوله (إن عدة الشهور عند الله اثنا عشر شهرا في كتاب الله) كل ذلك حكم منه. وأما قوله: (فويل للذين يكتبون الكتاب بأيديهم) فتنبيه أنهم يختلقونه ويفتعلونه، وكما نسب الكتاب المختلق إلى أيديهم نسب المقال المختلق إلى أفواههم فقال:
(ذلك قولهم بأفواههم) والاكتتاب متعارف في المختلق نحو قوله: (أساطير الأولين اكتتبها) وحيثما ذكر الله تعالى أهل الكتاب فإنما أراد بالكتاب التوراة والإنجيل وإياهما جميعا، وقوله: (وما كان هذا القرآن أن يفترى) إلى قوله: (وتفصيل الكتاب) فإنما أراد بالكتاب ههنا ما تقدم من كتب الله دون القرآن، ألا ترى أنه جعل القرآن مصدقا له، وقوله: (وهو الذي أنزل إليكم الكتاب مفصلا) فمنهم من قال هو القرآن ومنهم من قال هو القرآن وغيره من الحجج والعلم والعقل، وكذلك قوله: (فالذين آتيناهم الكتاب يؤمنون به) وقوله (قال الذي عنده علم من الكتاب) فقد قيل أريد به علم الكتاب وقيل علم من العلوم التي آتاها الله سليمان في كتابه المخصوص به وبه سخر له كل شئ، وقوله: (وتؤمنون بالكتاب كله) أي بالكتب المنزلة فوضع ذلك موضع الجمع إما لكونه جنسا كقولك كثر الدرهم في أيدي الناس، أو لكونه في الأصل مصدرا نحو عدل وذلك كقوله: (يؤمنون بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك) وقيل يعنى أنهم ليسوا كمن قيل فيهم (ويقولون نؤمن ببعض ونكفر ببعض) وكتابة العبد ابتياع نفسه من سيده بما يؤديه من كسبه، قال: (والذين يبتغون الكتاب مما ملكت أيمانكم فكاتبوهم) واشتقاقها يصح أن يكون من الكتابة التي هي الايجاب، وأن يكون من الكتب الذي هو النظم والانسان يفعل ذلك.
كتم: الكتمان ستر الحديث، يقال كتمته كتما وكتمانا، قال: (ومن أظلم ممن كتم شهادة عنده من الله) وقال: (وإن فريقا منهم ليكتمون الحق وهم يعلمون - ولا تكتموا
(٤٢٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 420 421 422 423 424 425 426 427 428 429 430 ... » »»
الفهرست