مفردات غريب القرآن - الراغب الأصفهانى - الصفحة ٤١٨
من مقامك) إن المقام المقعد فهذا إن أراد أن المقام والمقعد بالذات شئ واحد، وإنما يختلفان بنسبته إلى الفاعل كالصعود والحدور فصحيح، وإن أراد أن معنى المقام معنى المقعد فذلك بعيد فإنه يسمى المكان الواحد مرة مقاما إذا اعتبر بقيامه ومقعدا إذا اعتبر بقعوده، وقيل المقامة الجماعة، قال الشاعر:
* وفيهم مقامات حسان وجوههم * وإنما ذلك في الحقيقة اسم للمكان وإن جعل اسما لأصحابه نحو قول الشاعر:
* واستب بعدك يا كليب المجلس * فسمى المستبين المجلس. والاستقامة يقال في الطريق الذي يكون على خط مستو وبه شبه طريق المحق نحو (اهدنا الصراط المستقيم - وأن هذا صراطي مستقيما - إن ربى على صراط مستقيم) واستقامة الانسان لزومه المنهج المستقيم نحو قوله (إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا) وقال (فاستقم كما أمرت - فاستقيموا إليه) والإقامة في المكان الثبات وإقامة الشئ توفية حقه، وقال (قل يا أهل الكتاب لستم على شئ حتى تقيموا التوراة والإنجيل) أي توفون حقوقهما بالعلم والعمل وكذلك قوله (ولو أنهم أقاموا التوراة والإنجيل) ولم يأمر تعالى بالصلاة حيثما أمر ولا مدح به حيثما مدح إلا بلفظ الإقامة تنبيها أن المقصود منها توفية شرائطها لا الاتيان بهيئاتها، نحو (أقيموا الصلاة) في غير موضع (والمقيمين الصلاة) وقوله (وإذا قاموا إلى الصلاة قاموا كسالى) فإن هذا من القيام لا من الإقامة وأما قوله (رب اجعلني مقيم الصلاة) أي وفقني لتوفية شرائطها وقوله (فإن تابوا وأقاموا الصلاة) فقد قيل عنى به إقامتها بالاقرار بوجوبها لا بأدائها، والمقام يقال للمصدر والمكان والزمان والمفعول لكن الوارد في القرآن هو المصدر نحو قوله (إنها ساءت مستقرا ومقاما) والمقامة الإقامة، قال (الذي أحلنا دار المقامة من فضله) نحو (دار الخلد - وجنات عدن) وقوله (لا مقام لكم فارجعوا) من قام أي لا مستقر لكم وقد قرئ (لا مقام لكم) من أقام. ويعبر بالإقامة عن الدوام نحو (عذاب مقيم) وقرئ (إن المتقين في مقام أمين) أي في مكان تدوم إقامتهم فيه، وتقويم الشئ تثقيفه، قال (لقد خلقنا الانسان في أحسن تقويم) وذلك إشارة إلى ما خص به الانسان من بين الحيوان من العقل والفهم وانتصاب القامة الدالة على استيلائه على كل ما في هذا العالم، وتقويم السلعة بيان قيمتها. والقوم جماعة الرجال في الأصل دون النساء، ولذلك قال: (لا يسخر قوم من قوم) الآية، قال الشاعر:
* أقوم آل حصن أم نساء * وفى عامة القرآن أريدوا به والنساء جميعا، وحقيقته
(٤١٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 413 414 415 416 417 418 419 420 421 422 423 ... » »»
الفهرست