تفسير الميزان - السيد الطباطبائي - ج ١٨ - الصفحة ٢٣٠
والآية تعليل مضمون الآية السابقة، والمعنى ظاهر.
قوله تعالى: (أفلم يسيروا في الأرض فينظروا كيف كان عاقبة الذين من قبلهم دمر الله عليهم وللكافرين أمثالها) التدمير الاهلاك، يقال دمره الله أي أهلكه، ويقال: دمر الله عليه أي أهلك ما يخصه من نفس وأهل ودار وعقار فدمر عليه أبلغ من دمره كما قيل، وضمير (أمثالها) للعاقبة أو للعقوبة المدلول عليها بسابق الكلام.
والمراد بالكافرين الكافرون بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم، والمعنى: وللكافرين بك يا محمد أمثال تلك العاقبة أو العقوبة وإنما أوعدوا بأمثال العاقبة أو العقوبة ولا يحل بهم إلا مثل واحد لأنهم في معرض عقوبات كثيرة دنيوية وأخروية وإن كان لا يحل بهم إلا بعضها، ويمكن أن يراد بالكافرين مطلق الكافرين، والجملة من باب ضرب القاعدة.
قوله تعالى: (ذلك بأن الله مولى الذين آمنوا وأن الكافرين لا مولى لهم) الإشارة بذلك إلى ما تقدم من نصر المؤمنين ومقت الكافرين وسوء عاقبتهم، ولا يصغى إلى ما قيل: إنه إشارة إلى ثبوت عاقبة أو عقوبة الأمم السالفة لهؤلاء، وكذا ما قيل:
إنه إشارة إلى نصر المؤمنين، وذلك لان الآية متعرضة لحال الطائفتين: المؤمنين والكفار جميعا.
والمولى كأنه مصدر ميمي أريد به المعنى الوصفي فهو بمعنى الولي ولذلك يطلق على سيد العبد ومالكه لان له ولاية التصرف في أمور عبده، ويطلق على الناصر لأنه يلي التصرف في أمر منصوره بالتقوية والتأييد والله سبحانه مولى لأنه المالك الذي يلي أمور خلقه في صراط التكوين ويدبرها كيف يشاء، قال تعالى: (ما لكم من دونه من ولي ولا شفيع) ألم السجدة: 4، وقال: (وردوا إلى الله مولاهم الحق) يونس: 30، وهو تعالى مولى لأنه يلي تدبير أمور عباده في صراط السعادة فيهديهم إلى سعادتهم والجنة ويوفقهم للصالحات وينصرهم على أعدائهم، والمولوية بهذا المعنى الثاني تختص بالمؤمنين، لأنهم هم الداخلون في حظيرة العبودية المتبعون لما يريده منهم ربهم دون الكفار.
وللمؤمنين مولى وولي هو الله سبحانه كما قال: ذلك بأن الله مولى الذين آمنوا)، وقال: (الله ولي الذين آمنوا) البقرة: 257، وأما الكفار فقد اتخذوا الأصنام أو
(٢٣٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 225 226 227 228 229 230 231 232 233 234 235 ... » »»
الفهرست