تنزيل الآيات على الشواهد من الأبيات ، شرح شواهد الكشاف - محب الدين الأفندي - الصفحة ٥٣٤
لا يسلمون الغداة جارهم * حتى يزل الشراك عن قدمه لا يسلمون: أي لا يخدلون ولا يتركون غداة الحرب جارهم ليؤدى خذلانهم إلى أن يزل قدم جارهم فيزل شراك نعله عن قدمه، بل يعينونه وينصرونه حتى يثبت في مظان زلل الأقدم. ولا يخيم: أي لا يجين عن اللقاء وهو الحرب إلى أن يشق صفوف الحرب من جهة كرمه: يعنى لا يرضى بأدون المنزلتين بل يأبى إلا النهاية في باب الحرب والعلو في شأنه من جهة كونه مرضيا في شجاعته محمودا في بأسه ونجدته.
(فمضى وقدمها وكانت عادة * منه إذا هي عردت أقدامها) هو للبيد. في سورة الشعراء عند قوله تعالى (أو لم يكن لهم آية آن يعلمه علماء بني إسرائيل) حيث قرئ بالتذكير وآية بالنصب على أنها خبره وأن يعلم هو الاسم، وقرئ تكن بالتأنيث وجعلت آية اسمها وأن يعلم خبرها، وليست كالأولى لوقوع النكرة اسما والمعرفة خبرا، وقد قال بعضهم إنه ضرورة كقوله:
* ولا يك موقف منك الوداعا * وقوله: * يكون مزاجها عسل وماء * وقد اعتذر بعضهم بأن آية قد خصصت بقوله لهم فإنه حال منها والحال صفة وبأن تعريف الخبر ضعيف لعمومه ولا ضرورة تدعو إلى هذا التخريج، وقد خرج لها وجه آخر ليتخلص من ذلك فقيل في تكن ضمير القصة وآية أن يعلمه جملة واقعة موقع الخبر، ويجوز على هذا أن يكون لهم آية هي جملة الشأن وأن يعلم بدلا من آية، ويجوز مع نصب الآية تأنيث تكن كقوله (ثم لم تكن فتنتهم إلا أن قالوا) ومنه البيت فمضى وقدمها الخ: أي مضى العير، وقدم الأتان وكانت أقدامها: أي أقدام الأتان عادة من العير. إذا هي عردت: أي تأخرت، والتعريد:
التأخير، والجبن والإقدام ههنا بمعنى التقدمة ولذلك أنث فعلها فقال وكانت عادة: أي وكانت تقدمة الأتان عادة من العير، والمعنى: فمضى العير نحو الماء، وقدم الأتان لئلا تتأخر، وكان تقديمه الأتان عادة من العير إذا تأخرت هي: أي إذا خاف العير تأخرها، وقيل وإن كانت عادت أنثه بتأويل من كانت أمك.
وما هاج هذا الشوق إلا حمامة * دعت ساق حر ترحة وترنما فغنت على غصن عشاء فلم تدع * لنائحة في نومها متندما عجبت لها أنى يكون غناؤها * فصيحا ولم تغفر بمنطقها فما ولم أر مثلي شاقه صوت مثلها * (ولا عربيا شاقه صوت أعجما) في سورة الشعراء عند قوله تعالى (ولو نزلناه على بعض الأعجمين) الأعجم: الذي لا يفصح وفى لسانه عجمة واستعجام، والأعجمي مثله إلا أن فيه لزيادة ياء النسبة زيادة التأكيد، وقرأ الحسن الأعجميين، ولما كان من يتكلم بلسان غير لسانهم لا يفقهون كلامه قالوا له أعجمي وأعجم، شبهوه بمن لا يفصح ولا يبين وقالوا لكل ذي صوت من البهائم والطيور وغيرها أعجم، قال حميد: * ولا عربيا شافه صوت أعجما * يصف حمامة دعت حماما بغناء وترنم، وإنما قال لم تغفر لأن تغنيها يكون في صدرها من غير فتح الفم، والترح ضد الفرح.
(سائل فوارس يربوع بشدتنا * أهل رأونا بسفح القاع ذي الأكم) في سورة الشعراء عند قوله تعالى (هل أنبئكم على من تنزل الشياطين) حيث دخل حرف الجر على من المتضمنة لمعنى الاستفهام، والاستفهام له صدر الكلام لكن الأصل أمن فحذف حرف الاستفهام واستمر الاستعمال على
(٥٣٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 529 530 531 532 533 534 535 536 537 538 539 ... » »»
الفهرست