إملاء ما من به الرحمن - أبو البقاء العكبري - ج ١ - الصفحة ١٠٠
قوله تعالى (وقد فرضتم) في موضع الحال (فنصف) أي فعليكم نصف أو فالواجب نصف، ولو قرئ بالنصب لكان وجهه: فأدوا نصف ما فرضتم (إلا أن يعفون) أن والفعل في موضع نصب، والتقدير: فعليكم نصف ما فرضتم إلا في حال العفو، وقد سبق مثله في قوله " إلا أن يخافا " بأبسط من هذا، والنون في يعفون ضمير جماعة النساء، والواو قبلها لام الكلمة لأن الفعل هنا مبنى، فهو مثل يخرجن ويقعدن، فأما قولك الرجال يعفون، فهو مثل النساء يعفون في اللفظ، وهو مخالف له في التقدير، فالرجال يعفون أصله يعفوون مثل يخرجون، فحذفت الواو التي هي لام وبقيت واو الضمير، والنون علامة الرفع، وفى قولك النساء يعفون لم يحذف منه شئ على ما بينا (وأن تعفوا) مبتدأ، و (أقرب) خبره، و (للتقوى) متعلق بأقرب، ويجوز في غير القرآن أقرب من التقوى، وأقرب إلى التقوى، إلا أن اللام هنا تدل على معنى غير معنى إلى وغير معنى من، فمعنى اللام العفو أقرب من أجل التقوى، فاللام تدل على علة قرب العفو، وإذا قلت أقرب إلى التقوى كان المعنى مقارب التقوى، كما تقول: أنت أقرب إلي، وأقرب من التقوى يقتضى أن يكون العفو والتقوى قريبين، ولكن العفو أشد قربا من التقوى، وليس معنى الآية على هذا بل على معنى اللام، وتاء التقوى مبدلة من واو وواوها مبدلة من ياء لأنه من وقيت (ولا تنسوا الفضل) في " ولو تنسوا " من القراءات ووجهها ما ذكرناه في اشتروا الضلالة (بينكم) ظرف لتنسوا أو حال من الفضل، وقرئ " ولا تناسوا الفضل " على باب المفاعلة، وهو بمعنى المتاركة لا بمعنى السهو.
قوله تعالى (حافظوا) يجوز أن يكون من المفاعلة الواقعة من واحد، كعاقبت اللص وعافاه الله، وأن يكون من المفاعلة الواقعة من اثنين، ويكون وجوب تكرير الحفظ جاريا مجرى الفاعلين، إذ كان الوجوب حاثا على الفعل، فكأنه شريك الفاعل الحافظ، كما قالوا في قوله " وإذ واعدنا موسى " فالوعد كان من الله والقبول من موسى، وجعل القبول كالوعد، وفى حافظوا معنى لا يوجد في احفظوا، وهو تكرير الحفظ (الصلاة الوسطى) خصت بالذكر وإن دخلت في الصلوات تفضيلا لها والوسطى فعلى من الوسط (لله) يجوز أن تتعلق اللام بقوموا، وإن شئت (بقانتين).
قوله تعالى (فرجالا) حال من المحذوف تقديره: فصلوا رجالا أو فقوموا رجالا، ورجالا جمع راجل كصاحب وصحاب، وفيه جموع كثيرة ليس هذا موضع
(١٠٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 95 96 97 98 99 100 101 102 103 104 105 ... » »»
الفهرست