الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل - الزمخشري - ج ٣ - الصفحة ٥١١
ليجزى قوما بما كانوا يكسبون. من عمل صالحا فلنفسه ومن أساء فعليها ثم إلى ربكم ترجعون. ولقد آتينا بني إسرائيل الكتاب والحكم والنبوة ورزقناهم من الطيبات وفضلناهم على العالمين. وآتيناهم بينات من الأمر فما اختلفوا إلا من بعد ما جاءهم العلم بغيا بينهم إن ربك يقضى بينهم يوم القيامة فيما كانوا فيه يختلفون.
ثم جعلناك على شريعة من الأمر فاتبعها ولا تتبع أهواء الذين لا يعلمون. إنهم لن يغنوا عنك من الله شيئا وإن الظالمين بعضهم أولياء بعض والله ولى المتقين. هذا بصائر للناس وهدى ورحمة لقوم يوقنون. أم حسب الذين اجترحوا السيئات أن نجعلهم كالذين آمنوا وعملوا الصالحات.
____________________
نزلت قبل آية القتال ثم نسخ حكمها، وقيل نزولها في عمر رضي الله عنه وقد شتمه رجل من غفار فهم أن يبطش به وعن سعيد بن المسيب: كنا بين يدي عمر بن الخطاب رضي الله عنه فقرأ قارئ هذه الآية فقال عمر: ليجزى عمر بما صنع (لنجزى) تعليل للأمر بالمغفرة: أي إنما أمروا بأن يغفروا لما أراده الله من توفيتهم جزاء مغفرتهم يوم القيامة. فإن قلت: قوله (قوما) ما وجه تنكيره وإنما أراد الذين آمنوا وهم معارف؟ قلت: هو مدح لهم وثناء عليهم كأنه قيل: ليجزى أيما قوم وقوما مخصوصين لصبرهم وإغضائهم على أذى أعدائهم من الكفار وعلى ما كانوا يجرعونهم من الغصص (بما كانوا يكسبون) من الثواب العظيم بكظم الغيظ واحتمال المكروه، ومعنى قول عمر ليجزى عمر بما صنع: ليجزى بصبره واحتماله، وقوله لرسول الله صلى الله عليه وسلم عند نزول الآية: والذي بعثك بالحق لا ترى الغضب في وجهي. وقرئ ليجزى قوما: أي الله عز وجل وليجزى قوم وليجزى قوما على معنى وليجزى الجزاء قوما (الكتاب) التوراة (والحكم) الحكمة والفقه أو فصل الخصومات بين الناس لأن الملك كان فيهم والنبوة (من الطيبات) مما أحل الله لهم وأطاب من الأرزاق (وفضلناهم على العالمين) حيث لم نؤت غيرهم مثل ما آتيناهم (بينات) آيات ومعجزات (من الأمر) من أمر الدين، فما وقع بينهم الخلاف في الدين (إلا من بعد ما جاءهم) ما هو موجب لزوال الخلاف وهو العلم، وإنما اختلفوا لبغى حدث بينهم: أي لعداوة وحسد (على شريعة) على طريقة ومنهاج (من الأمر) من أمر الدين فاتبع شريعتك الثابتة بالدلائل والحجج، ولا تتبع ما لا حجة عليه من أهواء الجهال ودينهم المبنى على هوى وبدعة، وهم رؤساء قريش حين قالوا ارجع إلى دين آبائك. ولا توالهم إنما يوالي الظالمين من هو ظالم مثلهم. وأما المتقون فوليهم الله وهم موالوه، وما أبين الفصل بين الولايتين (هذا) القرآن (بصائر للناس) جعل ما فيه من معالم الدين والشرائع بمنزلة البصائر في القلوب كما جعل روحا وحياة، وهو هدى من الضلالة ورحمة من العذاب لمن آمن وأيقن. وقرئ هذه بصائر: أي هذه الآيات (أم) منقطعة، ومعنى الهمزة فيها إنكار الحسبان. والاجتراح: الاكتساب ومنه الجوارح، وفلان جارحة أهله:
أي كاسبهم (أن نجعلهم) أن نصيرهم وهو من جعل المتعدى إلى مفعولين فأولهما الضمير والثاني الكاف والجملة
(٥١١)
مفاتيح البحث: يوم القيامة (1)، الظلم (1)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 506 507 508 509 510 511 512 513 514 515 516 ... » »»