الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل - الزمخشري - ج ٣ - الصفحة ٥٠٦
يوم لا يغنى مولى عن مولى شيئا ولا هم ينصرون. إلا من رحم الله إنه هو العزيز الرحيم. إن شجرة الزقوم. طعام الأثيم. كالمهل تغلى في البطون كغلى الحميم.
خذوه فاعتلوه إلى سواء الجحيم. ثم صبوا فوق رأسه من عذاب الحميم.
____________________
ويوم الفصل خبرها: أي أن ميعاد حسابهم وجزائهم في يوم الفصل (لا يعنى مولى) أي مولى كان من قرابة أو غيرها (عن مولى) عن أي مولى كان (شيئا) من إغناء: أي قليلا منه (ولا هم ينصرون) الضمير للموالى لأنهم في المعنى كثير لتناول اللفظ على الإبهام والشياع كل مولى (إلا من رحم الله) في محل الرفع على البدل من الواو في ينصرون: أي لا يمنع من العذاب إلا من رحمه الله، ويجوز أن ينتصب على الاستثناء (إنه هو العزيز) لا ينصر منه من عصاه (الرحيم) لمن أطاعه. قرئ إن شجرت الزقوم بكسر الشين وفيها ثلاث لغات شجرة بفتح الشين وكسرها وشيرة بالياء. وروى أنه لما نزل أذلك خير نزلا أم شجرة الزقوم؟ قال ابن الزبعرى: إن أهل اليمن يدعون أكل الزبد والتمر التزقم، فدعا أبو جهل بتمر وزبد فقال: تزقموا فإن هذا هو الذي يخوفكم به محمد فنزل (إن شجرت الزقوم طعام الأثيم) وهو الفاجر الكثير الآثام. وعن أبي الدرداء أنه كان يقرئ رجلا فكان يقول طعام اليتيم، فقال: قل طعام الفاجر يا هذا. وبهذا يستدل على أن إبدال كلمة مكان كلمة جائز إذا كانت مؤدية معناها. ومنه أجاز أبو حنيفة القراءة بالفارسية على شريطة وهى أن يؤدى القارئ المعاني على كمالها من غير أن يخرم منها شيئا.
قالوا: وهذه الشريطة تشهد أنها إجازة كلا إجازة، لأن في كلام العرب خصوصا في القرآن الذي هو معجز بفصاحته وغرابة نظمه وأساليبه من لطائف المعاني والأغراض ما لا يستقل بأدائه لسان من فارسية وغيرها. وما كان أبو حنيفة رحمه الله يحسن الفارسية فلم يكن ذلك منه عن تحقق وتبصر. وروى علي بن الجعد عن أبي يوسف عن أبي حنيفة مثل قول صاحبيه في إنكار القراءة بالفارسية (كالمهل) قرئ بضم الميم وفتحها وهو دردي الزيت ويدل عليه قوله تعالى - يوم تكون السماء كالمهل - مع قوله - فكانت وردة كالدهان - وقيل هو ذائب الفضة والنحاس والكاف رفع خبر بعد خبر، وكذلك (تغلى) وقرئ بالتاء للشجرة وبالياء للطعام، و (الحميم) الماء الحار الذي انتهى غليانه. يقال للزبانية (خذوه فاعتلوه) فقودوه بعنف وغلظة وهو أن يؤخذ بتلبيب الرجل فيجر إلى حبس أو قتل ومنه العتل وهو الغليظ الجافي، وقرئ بكسر التاء وضمها (إلى سواء الجحيم) إلى وسطها ومعظمها. فإن قلت: هلا قيل صبوا فوق رأسه من الحميم كقوله تعالى - يصب من فوق رؤوسهم الحميم - لأن الحميم هو المصبوب لا عذابه؟ قلت: إذا صب عليه الحميم فقد صب عليه عذابه وشدته، إلا أن صب العذاب طريقه الاستعارة كقوله: * صبت عليه صروف الدهر من صبب * وكقوله تعالى - أفرغ علينا صبرا -
(٥٠٦)
مفاتيح البحث: الطعام (1)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 501 502 503 504 505 506 507 508 509 510 511 ... » »»