الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل - الزمخشري - ج ٣ - الصفحة ٥٠١
إنا كنا مرسلين. رحمة من ربك إنه هو السميع العليم. رب السماوات والأرض وما بينهما إن كنتم موقنين. لا إله إلا هو يحيى ويميت ربكم ورب آبائكم الأولين بل هم في شك يلعبون. فارتقب يوم تأتى.
____________________
وكتبه فقد أمر به وأوجبه، أو يكون حالا من أحد الضميرين في أنزلناه، إما من ضمير الفاعل: أي أنزلناه آمرين أمرا، أو من ضمير المفعول: أي أنزلناه في حال كونه أمرا من عندنا بما يجب أن يفعل. فإن قلت: (إنا كنا مرسلين رحمة من ربك) بم يتعلق؟ قلت: يجوز أن يكون بدلا من قوله - إنا كنا منذرين - ورحمة من ربك مفعولا له على معنى: إنا أنزلنا القرآن لأن من شأننا إرسال الرسل بالكتب إلى عبادنا لأجل الرحمة عليهم وأن يكون تعليلا ليفرق، أو لقوله أمرا من عندنا ورحمة مفعولا به، وقد وصف الرحمة بالإرسال كما وصفها به في قوله تعالى - وما يمسك فلا مرسل له من بعده - أي يفصل في هذه الليلة كل أمر أو تصدر الأوامر من عندنا، لأن من عادتنا أن نرسل رحمتنا، وفصل كل أمر من قسمة الأرزاق وغيرها من باب الرحمة، وكذلك الأوامر الصادرة من جهته عز وعلا، لأن الغرض في تكليف العباد تعريضهم للمنافع، والأصل إنا كنا مرسلين رحمة منا، فوضع الظاهر موضع الضمير إيذانا بأن الربوبية تقتضى الرحمة على المربوبين، وفى قراءة زيد بن علي أمر من عندنا على هو أمر، وهى تنصر انتصابه على الاختصاص. وقرأ الحسن رحمة من ربك على تلك رحمة، وهى تنصر انتصابها بأنها مفعول له (إنه هو السميع العليم) وما بعده تحقيق لربوبيته وأنها لا تحق إلا لمن هذه أوصافه. وقرئ رب السماوات ربكم ورب آبائكم بالجر بدلا من ربك. فإن قلت: ما معنى الشرط الذي هو قوله (إن كنتم موقنين)؟ قلت: كانوا يقرون بأن للسموات والأرض ربا وخالقا، فقيل لهم: إن إرسال الرسل وإنزال الكتب رحمة من الرب، ثم قيل:
إن هذا الرب هو السميع العليم الذي أنتم مقرون به ومعترفون بأنه رب السماوات والأرض وما بينهما إن كان إقراركم عن علم وإيقان، كما تقول: إن هذا إنعام زيد الذي تسامع الناس بكرمه واشتهر وإسخاؤه إن بلغك حديثه وحدثت بقصته، ثم رد أن يكونوا موقنين بقوله (بل هم في شك يلعبون) وأن إقرارهم غير صادر عن علم وتيقن ولا عن جد وحقيقة بل قول مخلوط بهزوء ولعب (يوم تأتى السماء) مفعول به مرتقب يقال رقبته وارتقبته نحو نظرته وانتظرته. واخلتف في الدخان، فعن علي بن أبي طالب رضي الله عنه وبه أخذ الحسن أنه دخان يأتي من السماء قبل يوم القيامة يدخل في أسماع الكفرة حتى يكون رأس الواحد منهم كالرأس الحنيذ، ويعترى المؤمن منه كهيئة الزكام، وتكون الأرض كلها كبيت أوقد فيه ليس فيه خصاص. وعن رسول الله صلى الله عليه وسلم " أول الآيات الدخان، ونزول عيسى بن مريم، ونار تخرج من قعر عدن أبين تسوق الناس إلى المحشر، قال حذيفة: يا رسول الله وما الدخان؟ فتلا رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: يملأ ما بين المشرق والمغرب، يمكث أربعين يوما وليلة، أما المؤمن فيصيبه كهيئة الزكمة، وأما الكافر فهو كالسكران يخرج من منخريه وأذنيه ودبره " وعن ابن مسعود رضي الله عنه " خمس قد مضت: الروم والدخان والقمر والبطشة واللزام " ويروى أنه قيل لابن مسعود إن قاصا عند أبواب كندة يقول: إنه دخان يأتي يوم القيامة فيأخذ بأنفاس الخلق، فقال: من علم علما فليقل به ومن لم يعلم فليقل الله أعلم، فإن من علم الرجل أن يقول لشئ لا يعلمه الله أعلم، ثم قال: ألا
(٥٠١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 496 497 498 499 500 501 502 503 504 505 506 ... » »»