الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل - الزمخشري - ج ٣ - الصفحة ٥١٠
أولئك لهم عذاب مهين. من ورائهم جهنم ولا يغنى عنهم ما كسبوا شيئا ولا ما اتخذوا من دون الله أولياء ولهم عذاب عظيم. هذا هدى والذين كفروا بآيات ربهم لهم عذاب من رجز أليم. الله الذي سخر لكم البحر لتجرى الفلك فيه بأمره ولتبتغوا من فضله ولعلكم تشكرون. وسخر لكم ما في السماوات وما في الأرض جميعا منه إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون. قل للذين آمنوا يغفروا للذين لا يرجون أيام الله.
____________________
يقتصر على الاستهزاء بما بلغه، ويحتمل وإذا علم من آياتنا شيئا يمكن أن يتشبث به المعاند ويجد له محملا يستلق به على الطعن والغميزة افترصه واتخذ آيات الله هزوا، وذلك نحو اقتراص ابن الزبعرى قوله عز وجل - إنكم وما تعبدون من دون الله حصب جهنم - ومغالطته رسول الله صلى الله عليه وسلم وقوله خصمتك، ويجوز أن يرجع الضمير إلى شئ لأنه في معنى الآية كقول أبى العتاهية:
نفسي بشئ من الدنيا معلقة * الله والقائم المهدى يكفيها حيث أراد عتبة. وقرئ علم (أولئك) إشارة إلى كل أفاك أثيم لشموله الأفاكين. والوراء اسم للجهة التي يواريها الشخص من خلف أو قدام، قال:
أليس ورائي إن تراخت منيتي * أدب مع الولدان أزحف كالنسر ومنه قوله عز وجل (من ورائهم) أي من قدامهم (ما كسبوا) من الأموال في رحلهم ومتاجرهم (ولا ما تخذوا من دون الله) من الأوثان (هذا) إشارة إلى القرآن يدل عليه قوله تعالى - والذين كفروا بآيات ربهم - لأن آيات ربهم هي القرآن: أي هذا القرآن كامل في الهداية كما تقول زيد رجل تريد كامل في الرجولية وأيما رجل.
والرجز: أشد العذاب. وقرئ بجر أليم ورفعه (ولتبتغوا من فضله) بالتجارة أو بالغوص على اللؤلؤ والمرجان واستخراج اللحم الطري وغير ذلك من منافع البحر. فإن قلت: ما معنى منه في قوله (جميعا منه) وما موقعها من الإعراب؟ قلت: هي واقعة موقع الحال، والمعنى: أنه سخر هذه الأشياء كائنة منه وحاصلة من عنده: يعنى أنه مكونها وموجدها بقدرته وحكمته ثم مسخرها لخلقه، ويجوز أن يكون خبر مبتدأ محذوف تقديره هي جميعا منه، وأن يكون وسخر لكم تأكيدا لقوله تعالى - سخر لكم - ثم ابتدئ قوله - ما في السماوات وما في الأرض جميعا منه - وأن يكون ما في الأرض مبتدأ ومنه خبره. وقرأ ابن عباس رضي الله عنهما منة، وقرأ سلمة بن محارب منه على أن يكون منه فاعل سخر على الإسناد المجازى، أو على أنه خبر مبتدأ محذوف: أي ذلك أو هو منه. حذف المقول لأن الجواب دال عليه، والمعنى قل لهم اغفروا يغفروا (لا يرجون أيام الله) لا يتوقعون وقائع الله بأعدائه من قولهم لوقائع العرب أيام العرب. وقيل لا يأملون الأوقات التي وقتها الله لثواب المؤمنين ووعدهم الفوز فيها. قبل
(٥١٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 505 506 507 508 509 510 511 512 513 514 515 ... » »»