الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل - الزمخشري - ج ٣ - الصفحة ٥١٣
قل الله يحييكم ثم يميتكم ثم يجمعكم إلى يوم القيامة لا ريب فيه ولكن أكثر الناس لا يعلمون. ولله ملك السماوات والأرض ويوم تقوم الساعة يومئذ يخسر المبطلون.
وترى كل أمة جاثية كل أمة تدعى إلى كتابها اليوم تجزون ما كنتم تعملون. هذا كتابنا ينطق عليكم بالحق إنا كنا نستنسخ ما كنتم تعملون. فأما الذين آمنوا وعملوا الصالحات فيدخلهم ربهم في رحمته ذلك هو الفوز المبين. وأما الذين كفروا أفلم تكن آياتي تتلى عليكم فاستكبرتم وكنتم قوما مجرمين. وإذا قيل إن وعد الله حق والساعة لا ريب فيها قلتم ما ندري ما الساعة إن نظن إلا ظنا وما
____________________
وكانوا يضيفون كل حادثة تحدث إلى الدهر والزمان، وترى أشعارهم ناطقة بشكوى الزمان، ومنه قوله عليه الصلاة والسلام " لا تسبوا الدهر فإن الله هو الدهر " أي فإن الله هو الآني بالحوادث لا الدهر. قرئ حجتهم بالنصب والرفع على تقديم خبر كان وتأخيره. فإن قلت: لم سمى قولهم حجة وليس بحجة؟ قلت: لأنهم أدلوا به كما يدلى المحتج بحجته وساقوه مساقها فسميت حجة على سبيل التهكم، أو لأنه في حسبانهم وتقديرهم حجة، أو لأنه في أسلوب قولهم " تحية بينهم ضرب وجيع * كأنه قيل: ما كان حجتهم إلا ما ليس بحجة، والمراد نفى أن تكون لهم حجة البتة. فإن قلت: كيف وقع قوله (قل الله يحييكم) جوابا لقولهم - ائتوا بآبائنا إن كنتم صادقين -؟
قلت: لما أنكروا البعث وكذبوا الرسل وحسبوا أن ما قالوه قول مبكت ألزموا ما هم مقرون به من أن الله عز وجل هو الذي يحييهم ثم يميتهم، وضم إلى إلزام ذلك إلزام ما هو واجب الإقرار به أن أنصفوا وأصغوا إلى داعي الحق وهو جمعهم إلى يوم القيامة، ومن كان قادرا على ذلك كان قادرا على الإتيان بآبائهم وكان أهون شئ عليه. عامل النصب في (يوم تقوم) يخسر، و (يومئذ) بدل من يوم تقوم (جاثية) باركة مستوفزة على الركب. وقرئ جاذبة والجذو أشد استيفازا من الجثو لأن الجاذي هو الذي يجلس على أطراف أصابعه. وعن ابن عباس رضي الله عنهما جاثية مجتمعة. وعن قتادة جماعات من الجثوة وهى الجماعة وجمعها جثى وفى الحديث " من جثى جهنم ". وقرئ (كل أمة) عن الابتداء وكل أمة على الإبدال من كل أمة (إلى كتابها) إلى صحائف أعمالها فاكتفى باسم الجنس كقوله تعالى - ووضع الكتاب فترى المجرمين مشفقين مما فيه - (اليوم تجزون) محمول على القول. فإن قلت كيف أضيف الكتاب إليهم وإلى الله عز وجل؟ قلت: الإضافة تكون للملابسة وقد لابسهم ولابسه، أما ملابسته إياهم فلأن أعمالهم مثبتة فيه، وأما ملابسته إياه فلأنه مالكه والآمر ملائكته أن يكتبوا فيه أعمال عباده (ينطق عليكم) يشهد عليكم بما عملتم (بالحق) من غير زيادة ولا نقصان (إنا كنا نستنسخ) الملائكة (ما كنتم تعملون) أي نستكتبهم أعمالكم (في رحمته) في جنته، وجواب أما محذوف تقديره: وأما الذين كفروا فيقال لهم (أفلم تكن آياتي تتلى عليكم) والمعنى: ألم يأتكم رسلي فلم تكن آياتي تتلى عليكم فحذف المعطوف عليه. وقرئ والساعة بالنصب عطفا على الوعد وبالرفع عطفا على محل إن واسمها (ما الساعة) أي شئ الساعة؟. فإن قلت:
(٥١٣)
مفاتيح البحث: يوم القيامة (1)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 508 509 510 511 512 513 514 515 516 517 518 ... » »»