الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل - الزمخشري - ج ٣ - الصفحة ٢٤١
* الله الذي خلق السماوات والأرض وما بينهما في ستة أيام ثم استوى على العرش ما لكم من دونه من ولي ولا شفيع أفلا تتذكرون يدبر الامر من السماء إلى الأرض ثم يعرج إليه في يوم كان مقداره ألف سنة مما تعدون * ذلك عالم الغيب والشهادة العزيز الرحيم الذي أحسن كل شئ خلقه وبدأ خلق الانسان من طين ثم جعل نسله من سلالة من ماء مهين ثم سواه ونفخ فيه من روحه وجعل لكم السمع والابصار والأفئدة قليلا ما تشكرون
____________________
وأن يستعار لفظ الترجي للإرادة. قلت: ما معنى قوله (ما لكم من دونه من ولي ولا شفيع). قلت: هو على معنيين: أحدهما أنكم إذا جاوزتم رضاه لم تجدوا لأنفسكم وليا: أي ناصرا ينصركم ولا شفيعا يشفع لكم. والثاني أن الله وليكم الذي يتولى مصالحكم وشفيعكم: أي ناصركم على سبيل المجاز، لان الشفيع ينصر المشفوع له فهو كقوله تعالى - وما لكم من دون الله من ولي ولا نصير - فإذا خذلكم لم يبق لكم ولي ولا نصير (الأمر) المأمور به من الطاعات والأعمال الصالحة ينزله مدبرا (من السماء إلى الأرض) ثم لا يعمل به ولا يصعد إليه ذلك المأمور به خالصا كما يريده ويرتضيه إلا في مدة متطاولة لقلة عمال الله والخلص من عباده وقلة الأعمال الصاعدة، لأنه لا يوصف بالصعود إلا الخالص ودل عليه قوله على أثره - قليلا ما تشكرون - أو يدبر أمر الدنيا كلها من السماء إلى الأرض لكل يوم من أيام الله وهو ألف سنة كما قال - وإن يوما عند ربك كألف سنة مما تعدون - (ثم يعرج إليه) أي يصير إليه ويثبت عنده ويكتب في صحف ملائكته كل وقت من أوقات هذه المدة ما يرتفع من ذلك الامر ويدخل تحت الوجود إلى أن تبلغ المدة آخرها ثم يدبر أيضا ليوم آخر وهلم جرا إلى أن تقوم الساعة. وقيل ينزل الوحي مع جبريل عليه السلام من السماء إلى الأرض ثم يرجع إليه ما كان من قبول الوحي أورده مع جبريل وذلك في وقت هو في الحقيقة ألف سنة، لان المسافة مسيرة ألف سنة في الهبوط والصعود، لان ما بين السماء والأرض مسيرة خمسمائة سنة وهو يوم من أيامكم لسرعة جبريل لأنه يقطع مسيرة ألف سنة في يوم واحد. وقيل يدبر أمر الدنيا من السماء إلى الأرض إلى أن تقوم الساعة ثم يعرج إليه ذلك الامر كله: أي يصير إليه ليحكم فيه (في يوم كان مقداره ألف سنة) وهو يوم القيامة. وقرأ ابن أبي عبلة يعرج على البناء للمفعول. وقرئ يعدون بالتاء والياء (أحسن كل شئ) حسنة لأنه ما من شئ خلقه إلا وهو مرتب على ما اقتضته الحكمة وأوجبته المصحلة، فجميع المخلوقات حسنة وإن تفاوتت إلى حسن وأحسن كما قال - لقد خلقنا الانسان في أحسن تقويم - وقيل علم كيف يخلقه من قوله:
قيمة المرء ما يحسن وحقيقته يحسن معرفته: أي يعرفه معرفة حسنة بتحقيق وإتقان. وقرئ خلقه على البدل: أي أحسن خلق كل شئ وخلقه على الوصف: اي كل شئ خلقه فقد أحسنه. سميت الذرية نسلا لأنها تنسل منه:
اي تنفصل منه وتخرج من صلبه، ونحوه قولهم للولد سليل ونجل، و (سواه) قومه كقوله تعالى - في أحسن تقويم - ودل بإضافة الروح إلى ذاته على أنه خلق عجيب لا يعلم كنهه إلا هو كقوله - ويسئلونك، عن الروح - الآية، كأنه
(٢٤١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 236 237 238 239 240 241 242 243 244 245 246 ... » »»