الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل - الزمخشري - ج ٣ - الصفحة ٢٤٢
وقالوا أئذا ضللنا في الأرض أئنا لفي خلق جديد بل هم بلقاء ربهم كافرون * قل يتوفاكم ملك الموت الذي وكل بكم ثم إلى ربكم ترجعون * ولو ترى إذ المجرمون ناكسوا رؤوسهم عند ربهم ربنا أبصرنا وسمعنا فارجعنا نعمل صالحا إنا موقنون ولو شئنا لآتينا كل نفس هداها ولكن حق القول مني لأملأن جهنم من الجنة والناس أجمعين
____________________
قال: ونفخ فيه من الشئ الذي اختص هو به وبمعرفته (وقالوا) قيل القائل أبي بن خلف ولرضاهم بقوله أسند إليهم جميعا. وقرئ أئنا وإنا على الاستفهام وتركه (ضللنا) صرنا ترابا وذهبنا مختلطين بتراب الأرض لا تتميز منه كما يضل الماء في اللبن أو غبنا (في الأرض) بالدفن فيها من قوله * وآب مضلوه بعين جلية * وقرأ علي وابن عباس رضي الله عنهما ضللنا بكسر اللام، يقال ضل يضل وضل يضل. وقرأ الحسن رضي الله عنه ضللنا من ضل اللحم وأضل إذا أنتن. وقيل صرنا من جنس الصلة وهي الأرض. فإن قلت: بم انتصب الظرف في أئذا ضللنا.
قلت: بما يدل عليه - إنا لفي خلق جديد - وهو نبعث أو يجدد خلقنا. لقاء ربهم هو الوصول إلى العاقبة من تلقى ملك الموت وما وراءه فلما ذكر كفرهم بالانشاء أضرب عنه إلى ما هو أبلغ في الكفر وهو أنهم كافرون بجميع ما يكون في العاقبة لا بالانشاء وحده، ألا ترى كيف خوطبوا بتوفي ملك الموت وبالرجوع إلى ربهم بعد ذلك مبعوثين للحساب والجزاء وهذا معنى لقاء الله على ما ذكرنا. والتوفي استيفاء النفس وهي الروح، قال الله تعالى - الله يتوفى الأنفس - وقال - أخرجوا أنفسكم - وهو أن يقبض كلها لا يترك منها شئ، من قولك توفيت حقي من فلان واستوفيته إذا أخذته وافيا كاملا من غير نقصان، والتفعل والاستفعال يلتقيان في مواضع منها تقصيته واستقصيته وتعجلته واستعجلته. وعن مجاهد رضي الله عنه: حويت لملك الموت الأرض وجعلت له مثل الطست يتناول منها حيث يشاء. وعن قتادة: يتوفاهم ومعه أعوان من الملائكة، وقيل ملك الموت يدعو الأرواح فتجيبه ثم يأمر أعوانه بقبضها (ولو ترى) يجوز أن يكون خطابا لرسول الله صلى الله عليه وسلم. وفيه وجهان: أن يراد به التمني كأنه قال: وليتك ترى كقوله صلى الله عليه وسلم للمغيرة " لو نظرت إليها " والتمني لرسول الله صلى الله عليه وسلم كما كان الترجي له في - لعلهم يهتدون - لأنه تجرع منهم الغصص ومن عداوتهم وضرارهم، فجعل الله له تمني أن يراهم على تلك الصفة الفظيعة من الحياء والخزي والغم ليشمت بهم، وأن تكون لو الامتناعية قد حذف جوابها وهو لرأيت أمرا فظيعا أو لرأيت أسوأ حال ترى. ويجوز أن يخاطب به كل أحد كما تقول: فلان لئيم إن أكرمته أهانك وإن أحسنت إليه أساء إليك، فلا تريد به مخاطبا بعينه فكأنك قلت إن أكرم وإن أحسن إليه. ولو وإذ كلاهما للمضى وإنما جاز ذلك لان المترقب من الله بمنزلة الموجود المقطوع به في تحققه ولا يقدر لترى ما يتناوله، كأنه قيل ولو تكون منك الرؤية، وإذ ظرف له. يستغيثون بقولهم (ربنا أبصرنا وسمعنا) فلا يغاثون يعني أبصرنا صدق وعدك ووعيدك وسمعنا منك تصديق رسلك أو كنا عميا وصما فأبصرنا وسمعنا (فارجعنا) هي الرجعة إلى الدنيا (لاتينا كل نفس هداها) على طريق الالجاء والقسر ولكننا بنينا الامر على الاختيار دون الاضطرار فاستحبوا
(٢٤٢)
مفاتيح البحث: الموت (1)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 237 238 239 240 241 242 243 244 245 246 247 ... » »»