الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل - الزمخشري - ج ٣ - الصفحة ٢٣٧
إن الله سميع بصير ألم تر أن الله يولج الليل في النهار ويولج النهار في الليل وسخر الشمس والقمر كل يجري إلى أجل مسمى وأن الله بما تعملون خبير ذلك بأن الله هو الحق وأن ما يدعون من دونه الباطل وأن الله هو العلي الكبير * ألم تر أن الفلك تجري في البحر بنعمة الله ليريكم من آياته إن في ذلك لآيات لكل صبار شكور * وإذا غشيهم موج كالظلل دعوا الله مخلصين له الدين فلما نجاهم إلى البر فمنهم مقتصد وما يجحد بآياتنا إلا كل ختار كفور
____________________
في قدرته القليل والكثير والواحد والجمع لا يتفاوت، وذلك أنه إنما كانت تتفاوت النفس الواحدة والنفوس الكثيرة العدد أن لو شغله شأن عن شأن وفعل عن فعل وقد تعالى عن ذلك (إن الله سميع بصير) يسمع كل صوت ويبصر كل مبصر في حالة واحدة لا يشغله إدراك بعضها عن إدراك بعض فكذلك الخلق والبعث. كل واحد من الشمس والقمر يجرى في فلكه ويقطعه إلى وقت معلوم، الشمس إلى آخر السنة والقمر إلى آخر الشهر. وعن الحسن:
الاجل المسمى يوم القيامة لأنه لا ينقطع جريهما إلا حينئذ. دل أيضا بالليل والنهار وتعاقبهما وزيادتهما ونقصانهما وجرى النيرين في فلكيهما كل ذلك على تقدير وحساب وبإحاطته بجميع أعمال الخلق على عظم قدرته وحكمته.
فإن قلت: يجرى لأجل مسمى ويجرى إلى أجل مسمى أهو من تعاقب الحرفين؟ قلت: كلا ولا يسلك هذه الطريقة إلا بليد الطبع ضيق العطن، ولكن المعنيين أعني الانتهاء والاختصاص كل واحد منهما ملائم لصحة الغرض، لان قولك يجرى إلى أجل مسمى معناه يبلغه وينتهي إليه، وقولك يجرى لأجل مسمى. تريد يجرى لادراك أجل مسمى تجعل الجري مختصا بإدراك أجل مسمى، إلا ترى أن جرى الشمس مختص بآخر السنة، وجرى القمر مختص بآخر الشهر فكلا المعنين غير ناب به موضعه (ذلك) الذي وصف من عجائب قدرته وحكمته التي يعجز عنها الاحياء القادرون العالمون فكيف بالجماد الذي تدعونه من دون الله إنما هو بسبب أنه هو الحق الثابت إلهيته وأن من دونه باطل الإلهية (وأن الله هو العلى) الشأن (الكبير) السلطان أو ذلك الذي أوحى إليك من هذه الآيات بسبب بيان ان الله هو الحق وأن إلها غيره باطل وأن الله هو العلي الكبير عن أن يشرك به.
قرئ الفلك بضم اللام وكل فعل يجوز فيه فعل كما يجوز في كل فعل فعل على مذهب التعويض. وبنعمات الله بسكون العين، وعين فعلات يجوز فيها الفتح والكسر والسكون (بنعمة الله) بإحسانه ورحمته (صبار) على بلائه (شكور) لنعمائه وهما صفتا المؤمن فكأنه قال: إن في ذلك لايات لكل مؤمن. يرتفع الموجب ويتراكب فيعود مثل الظلل، والظلة: كل ما أظلك من جبل أو سحاب أو غيرهما. وقرئ كالظلال جمع ظلة كقلة وقلال (فمنهم مقتصد) متوسط في الكفر والظلم خفض من غلوائه وانزجر بعض الانزجار أو مقتصد في الإخلاص الذي كان عليه في البحر: يعنى أن ذلك الاخلاص الحادث عند الخوف لا يبقى لاحد قط والمقتصد قليل نادر، وقيل مؤمن قد ثبت على ما عاهد عليه الله في البحر، والختر: أشد الغدر، ومنه قولهم إنك لا تمد لنا شبرا من غدر إلا مددنا لك باعا من ختر، قال:
(٢٣٧)
مفاتيح البحث: الباطل، الإبطال (1)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 232 233 234 235 236 237 238 239 240 241 242 ... » »»