الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل - الزمخشري - ج ٣ - الصفحة ٢٤٠
ألم * تنزيل الكتاب لا ريب فيه من رب العالمين * أم يقولون افتراه بل هو الحق من ربك لتنذر قوما ما أتاهم من نذير من قبلك لعلهم يهتدون
____________________
(ألم) على أنها اسم السورة مبتدأ خبره (تنزيل الكتاب) وإن جعلتها تعديدا للحروف ارتفع تنزيل الكتاب بأنه خبر مبتدأ محذوف أو هو مبتدأ خبره (لا ريب فيه) والوجه أن يرتفع بالابتداء، وخبره (من رب العالمين) ولا " ريب فيه " اعتراض لا محل له، والضمير في " فيه " راجع إلى مضمون الجملة كأنه قيل لا يب في ذلك: أي في كونه منزلا من رب العالمين، ويشهد وجاهته قوله (أم يقولون افتراه) لان قولهم هذا مفترى إنكار لان يكون من رب العالمين، وكذلك قوله (بل هو الحق من ربك) وما فيه من تقرير أنه من الله، وهذا أسلوب صحيح محكم أثبت أولا أن تنزيله من رب العالمين وأن ذلك ما لا ريب فيه، ثم أضرب عن ذلك إلى قوله - أم يقولون افتراه - لان أم هي المنقطعة الكائنة بمعنى بل، والهمزة إنكارا لقولهم وتعجيبا منه لظهور أمره في عجز بلغائهم عن مثل ثلاث آيات منه، ثم أضرب عن الانكار إلى إثبات أنه الحق من ربك، ونظيره أن يعلل العالم في المسألة بعلة صحيحة جامعة قد احترز فيها أنواع الاحتراز كقول المتكلمين: النظر أول الأفعال الواجبة على الاطلاق التي لا يعرى عن وجوبها مكلف، ثم يعترض عليه فيها ببعض ما وقع احترازه منه فيرده بتلخيص أنه احترز من ذلك ثم يعود إلى تقرير كلامه وتمشيته. فإن قلت: كيف نفى أن يرتاب في أنه من الله وقد أثبت ما هو أطم من الريب وهو قولهم افتراه؟ قلت: معنى لا ريب فيه أن لا مدخل للريب في أنه تنزيل الله، لان نافى الريب ومميطه معه لا ينفك عنه وهو كونه معجزا للبشر ومثله أبعد شئ من الريب، وأما قولهم افتراه فإما قول متعنت مع علمه أنه من الله لظهور الاعجاز له، أو جاهل يقوله قبل التأمل والنظر لأنه سمع الناس يقولونه (ما أتاهم من نذير من قبلك) كقوله - ما أنذر آباؤهم - وذلك أن قريشا لم يبعث الله إليهم رسولا قبل محمد صلى الله عليه وسلم. فإن قلت: فإذا لم يأتهم نذير لم تقم عليهم حجة. قلت: أما قيام الحجة بالشرائع التي لا يدرك علمها إلا بالرسل فلا، وأما قيامها بمعرفة الله وتوحيده وحكمته فنعم لان أدلة العقل الموصلة إلى ذلك معهم في كل زمان (لعلهم يهتدون) فيه وجهان: أن يكون على الترجي من رسول الله صلى عليه وسلم كما كان - لعله يتذكر - على الترجي من موسى وهرون عليهما السلام
(٢٤٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 235 236 237 238 239 240 241 242 243 244 245 ... » »»