الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل - الزمخشري - ج ٣ - الصفحة ٢٣٠
ومن الناس من يشتري لهو الحديث ليضل عن سبيل الله بغير علم ويتخذها هزوا أولئك لهم عذاب مهين * إذا تتلى عليه آياتنا ولى مستكبرا كأن لم يسمعها كأن في أذنيه وقرا فبشره بعذاب أليم * إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات لهم جنات النعيم * خالدين فيها وعد الله حقا وهو العزيز الحكيم * خلق السماوات بغير عمد ترونها وألقى في الأرض رواسي أن تميد بكم وبث فيها من كل دابة وأنزلنا من السماء ماء فأنبتنا فيها من كل زوج كريم * هذا خلق الله فأروني ماذا خلق الذين من دونه بل الظالمون في ضلال مبين
____________________
على حديث الحق. وقرئ (ليضل) بضم الياء وفتحها، و (سبيل) الله) دين الاسلام أو القرآن. فإن قلت: القراءة بالضم بينه لان النضر كان غرضه باشتراء اللهو أن يصعد الناس عن الدخول في الاسلام واستماع القرآن ويضلهم عنه، فما معنى القراءة بالفتح؟ قلت: فيه معنيان أحدهما ليثبت على ضلاله الذي كان عليه ولا يصدف عنه ويزيد فيه ويمده فإن المخذول كان شديد الشكيمة في عداوة الدين وصد الناس عنه. والثاني أن يوضع ليضل موضع ليضل من قبل أن من أضل كان ضالا لا محالة فدل بالرديف على المردوف. فإن قلت: ما معنى قوله (بغير علم) قلت:
لما جعله مشتريا لهو الحديث بالقرآن قال يشترى بغير علم بالتجارة وبغير بصيرة بها، حيث يستبدل الضلال بالهدى والباطل بالحق، ونحوه قوله تعالى - فما ربحت تجارتهم وما كانوا مهتدين - أي وما كانوا مهتدين للتجارة بصراء بها. وقرئ (ويتخذها) بالنصب والرفع عطفا على يشترى أو ليضل والضمير للسبيل لأنها مؤنثة كقوله تعالى - وتصدون عن سبيل الله من آمن به وتبغونها عوجا - (ولى مستكبرا) زاما لا يعبأ بها، ولا يرفع بها رأسا.
تشبه حاله في ذلك حال من لم يسمعها وهو سامع (كأن في أذنيه وقرا) أي ثقلا، ولا وقر فيهما. وقرئ بسكون الذال. فإن قلت: ما محل الجملتين المصدرتين بكأن؟ قلت: الأولى حال من مستكبرا، والثانية من لم يسمعها، ويجوز أن تكونا استئنافين، والأصل في كأن المخففة كأنه والضمير ضمير الشأن (وعد الله حقا) مصدران مؤكدان: الأول مؤكد لنفسه، والثاني مؤكد لغيره، لان قوله - لهم جنات النعيم - في معنى وعدهم الله جنات النعيم، فأكد معنى الوعد بالوعد، وأما حقا فدال على معنى الثبات أكد به معنى الوعد ومؤكدهما جميعا قوله - لهم جنات النعيم - (وهو العزيز) الذي لا يغلبه شئ ولا يعجزه، يقدر على الشئ وضده فيعطى النعيم من شاء والبؤس من شاء، وهو (الحكيم) لا يشاء إلا ما توجبه الحكمة والعدل (ترونها) الضمير فيه للسموات، وهو استشهاد برؤيتهم لها غير معمودة على قوله - بغير عمد - كما تقول لصاحبك أنا بلا سيف ولا رمح تراني. فإن قلت:
ما محلها من الاعراب؟ قلت: لا محل لا لأنها مستأنفة، أو هي محل الجر صفة للعمد: أي بغير عمد مرئية، يعنى أنه عمدها بعمد لا ترى، وهي امساكها بقدرته (هذا) إشارة إلى ما ذكر من مخلوقاته، والخلق بمعنى المخلوق، و (الذين من دونه) آلهتهم، بكتهم بأن هذه الأشياء العظيمة مما خلقه الله وأنشأه فأروني ماذا خلقته آلهتكم حتى
(٢٣٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 225 226 227 228 229 230 231 232 233 234 235 ... » »»