التبيان - الشيخ الطوسي - ج ٨ - الصفحة ٢٩٣
بل يقولون افتراه، ففيها معنى (بل) والألف إذا كانت معادلة فمعناها (أو) مع الاستفهام، و (افتراه) معناه افتعله، بل قال تعالى ليس الامر على ما قالوه " بل هو الحق " من عند الله والحق هو كل شئ كان معتقده على ما هو به مما يدعو العقل إليه واستحقاق المدح عليه. وتعظيمه الكتاب حق، لان من اعتقد أنه من عند الله كان معتقده على ما هو به. والباطل نقيض الحق، وهو ما كان معتقده لا على ما هو به.
وقوله " بل هو الحق من ربك " فيه دلالة على بطلان مذهب المجبرة لان الله تعالى أنزله ليهتدي به الخلق لا ليضلوا به عن الدين، والمجبرة تزعم أنه أراد ضلال الكفار عن الدين فيجب كونه منزلا ليضل الكفار عن الدين.
وقوله " لتنذر قوما ما أتاهم من نذير من قبلك " لا ينافي قوله " وإن من أمة إلا خلا فيها نذير " (1) لان الحسن، قال: المعنى وإن من أمة أهلكت بالعذاب إلا من بعد أن جاءهم نذير ينذرهم بما حل بهم. وهذا خطاب للنبي صلى الله عليه وآله يقول الله تعالى له " لتنذر " أي لتخوف يا محمد " قوما " لم يأتهم مخوف قبلك، يعني أهل الفترة من العرب، فكانوا كأنهم في غفلة عما لزمهم من حق نعم الله وما خلقهم له من العبادة. وقد كان إسماعيل عليه السلام نذيرا لمن أرسل إليه.
ثم قال " الله الذي خلق السماوات والأرض " أي اخترعهما وأنشأها وخلق " ما بينهما في ستة أيام " أي في ما قدره ستة أيام، لأنه قبل خلق الشمس لم يكن ليل ولا نهار. وقوله " ثم استوى على العرش " أي استوى عليه بالقهر والاستعلاء، وقد فسرناه في ما مضى (2) ودخلت " ثم " على (استوى على العرش)

(1) سورة 35 فاطر آية 24 (2) انظر 4 / 452
(٢٩٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 288 289 290 291 292 293 294 295 296 297 298 ... » »»
الفهرست