التبيان - الشيخ الطوسي - ج ٨ - الصفحة ٣٠٤
ليس يعلم أحد كنه ما أعد الله لهؤلاء المؤمنين الذين تقدم وصفهم من أنواع اللذات والأشياء التي تقر أعينهم بها على كنه معرفتها. وقولهم قرت عيناه أي فرحها الله. لان المستبشر الضاحك يخرج من عينه ماء بارد من شؤونه. والباكي جزعا يخرج من عينيه ماء سخن من الكبد، ومنه قولهم: سخنت عينه - بكسر الخاء - * (جزاء بما كانوا يعملون) * من الطاعات في دار التكليف، وإنما نفى العلم عنهم مع أن المؤمن يعلم أنه مستحق للثواب، لان العلم بالشئ يكون من وجهين:
أحدهما - ان يعلم الشئ على طريق الجملة، وهو الذي يحصل للمؤمن في دار التكليف.
والآخر - ان يحصل على طريق التفصيل، وذلك موقوف على مشاهدتهم للثواب الذي يرونه عند زوال التكليف وحضور الثواب.
ثم قال تعالى * (أفمن كان مؤمنا) * مصدقا بالله عارفا به وبأنبيائه عاملا بما أوجبه الله عليه وندبه إليه * (كمن كان فاسقا) * خارجا عن طاعة الله بارتكاب معاصيه على وجه الانكار لذلك، فلذلك جاء به على لفظ الاستفهام، ثم اخبر تعالى بأنهم * (لا يستوون) * قط، لان منزلة المؤمن الثواب وأنواع اللذات، ومنزلة الفاسق العذاب وفنون العقاب. ثم فسر ذلك بما قال بعده فقال * (اما الذين آمنوا) * بالله وصدقوه وصدقوا أنبياءه * (وعملوا الصالحات) * وهي الطاعات مع ذلك * (فلهم جنات المأوى) * فالمأوى المقام اي لهم هذه البساتين التي وعدهم الله بها يأوون إليها * (نزلا بما كانوا يعملون) * أي في مواضع لهم ينزلون فيها مكافأة لهم على طاعاتهم التي عملوها. وقال الحسن: * (نزلا) * أي عطاء نزلوه * (وأما الذين فسقوا) * بخروجهم عن طاعة الله إلى معاصيه * (فمأواهم النار) * يأوون إليها نعوذ بالله منها * (كلما أرادوا ان يخرجوا منها) * أي كلما كادوا وهموا
(٣٠٤)
مفاتيح البحث: العذاب، العذب (1)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 299 300 301 302 303 304 305 306 307 308 309 ... » »»
الفهرست