التبيان - الشيخ الطوسي - ج ٧ - الصفحة ٤٠٢
وحسبتم (أنكم الينا لا ترجعون) أي إلى الحال التي لا يملك نفعكم وضركم فيها إلا الله، كما كنتم في ابتداء خلقكم قبل أن يملك أحدا شيئا من أمركم. ثم نزه تعالى نفسه عن كل دنس، وأخبر انه (فتعالى الله الملك الحق) ومعناه: علا معنى صفته، فوق كل صفة لغيره، فهو تعظيم الله تعالى بأن كل شئ سواه يصغر مقداره عن معنى صفته. (والملك الحق) هو الذي يحق له الملك، بأنه ملك غير مملك، وكل ملك غيره، فملكه مستعار له، وإنما يملك ما ملكه الله، فكأنه لا يعتد بملكه في ملك ربه، والحق هو الشئ الذي من اعتقده كان على ما اعتقده، فالله الحق، لأنه من اعتقد انه لا إله إلا هو، فقد اعتقد الشئ على ما هو به. وقوله (رب العرش الكريم) أي خالقه، ووصفه العرش بأنه كريم تعظيم له باتيان الخير من جهته، بما دبره الله لعباده، والكريم في أصل اللغة القادر على التكرم من غير مانع.
ثم قال " ومن يدع مع الله إلها آخر لا برهان له به " ومعناه إن من دعا مع الله إلها سواه لا يكون له على ذلك برهان ولا حجة، لأنه باطل، ولو دعا الله ببرهان لكان محقا، واجري على ذلك قوله " ويقتلون النبيين بغير حق " (1) وقول الشاعر:
على لاحب لا يهتدى بمناره (2) وقوله " فإنما حسابه على ربه " يعني الله الذي يبين له مقدار ما يستحقه من ثواب أو عقاب. ثم اخبر تعالى بأنه " لا يفلح الكافرون " يعني الجاحدين لنعم الله، والمنكرين لتوحيده، والدافعين للبعث والنشور. ثم امر نبيه صلى الله عليه وآله فقال له " قل " يا محمد " رب اغفر وارحم " أي اغفر الذنوب، وانعم على خلقك.
" وأنت خير الراحيم " معناه أفضل من رحم وانعم على غيره، وأكثرهم نعمة وأوسعهم فضلا.

(1) سورة 3 آل عمران آية 21 (2) انظر 2 / 356، 423 و 6 / 213
(٤٠٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 397 398 399 400 401 402 403 404 405 406 407 ... » »»
الفهرست