التبيان - الشيخ الطوسي - ج ٧ - الصفحة ١١٤
وقوله " إذ انتبذت من أهلها " فالانتباذ اتخاذ الشئ بالقاء غيره عنه، والأصل الالقاء من قولهم: نبذه وراء ظهره أي ألقاه، وفي هذا الطعام نبذ من شعير اي مقدار كف منه، والنبذ الطرح. وقال قتادة: معنى انتبذت انفردت. وقيل: معناه اتخذت مكانا تنفرد فيه بالعبادة. وقيل معناه تباعدت. وقوله " مكانا شرقيا " يعني الموضع الذي في جهة الشرق، قال جرير:
هبت جنوبا فذكرى ما ذكرت لكم * عند الصفاة التي شرقي حورانا (1) وقال السدي: معنى " فاتخذت من دونهم حجابا " أي حجابا من الجدران.
قال ابن عباس: إنما جعلت النصارى قبلتهم إلى المشرق، لان مريم اتخذت من جهة المشرق موضع صلاتها. وقال ابن عباس: معنى " من دونهم حجابا " أي من الشمس جعله الله لها ساترا.
وقوله " فأرسلنا إليها روحنا " قال الحسن وقتادة والضحاك والسدي، وابن جريج، ووهب بن منية: يعني جبرائيل (ع) وسماه الله (روحا) لأنه روحاني لا يشبه شيئا من غير الروح. وخص بهذه الصفة تشريفا له. وقيل لأنه تحيا به الأرواح بما يؤديه إليهم من أمر الأديان والشرائع.
وقوله " فتمثل لها بشرا سويا " أي تمثل لها جبرائيل في صورة البشر " سويا " أي معتدلا، فلما رأته مريم، " قالت إني أعوذ بالرحمن منك ان كنت تقيا " تخاف عقوبة الله.
فان قيل كيف تعوذت منه إن كان تقيا؟ والتقي لا يحتاج أن تتعوذ منه، وإنما يتعوذ من غير التقي!!
قيل المعنى في ذلك إن التقي للرحمن إذا تعوذ بالرحمن منه ارتدع عما يسخط

(1) ديوانه (دار بيروت) 493 وروايته (ذكرتكم) بدل (ذكرت لكم)
(١١٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 109 110 111 112 113 114 115 116 117 118 119 ... » »»
الفهرست