التبيان - الشيخ الطوسي - ج ٤ - الصفحة ٣٤٥
كم عمة لك يا جرير وخالة * فدعاء قد حلبت علي عشاري (2) فدل ب‍ (كم) على كثرة العمات، وموضع (كم) في الآية رفع بالابتداء وخبرها (أهلكناها) ولو جعلت في موضع نصب جاز، كقوله " أنأكل شئ خلقناه بقدر " (3)، والأول أجود.
اخبر الله تعالى - على وجه الترهيب للكفار والايعاد لهم - أنه أهلك كثيرا من القرى، يعني أهلها بما ارتكبوه من معاصيه، والكفر به، وانه أنزل عليهم بأسه، يعني عذابه " بيانا " يعني في الليل " أو هم قائلون " يعني في وقت القيلولة، وهو نصف النهار. وأصله الراحة، فمعنى أقلته البيع أرحته منه باعفائي إياه من عقده، وقلت إذا استرحت إلى النوم، في وسط النهار:
القائلة. والاخذ بالشدة في وقت الراحة أعظم في العقوبة فلذلك خص الوقتين بالذكر.
وقيل في دخول الفاء في قوله " فجاءها بأسنا بياتا " ثلاثة أقوال:
أحدها - أهلكناها في حكمنا " فجاءها بأسنا " وقد قيل: هو مثل زرني واكرمني فان نفس الاكرام هي الزيارة، قال الرماني: وليس هذا مثل ذلك، لان هذا إنما جاز لأنه قصد الزيارة. ثم الاكرام بها.
والثاني - قال قوم " أهلكناها فجاءها بأسنا " أي فكان صفة اهلاكنا أن جاءهم بأسنا.
والثالث - أهلكناها فصح انه جاءها بأسنا. وقال الفراء الفاء بمعنى الواو، وقال الرماني: هذا لا يجوز، لأنه نقل للحرف عن معناه بغير دليل.
وقال بعضهم: ان المعنى أهلكناها بخذلاننا لها عن الطاعة فجاءها بأسنا عقوبة على المعصية، وهذا لا يجوز لأنه ليس من صفة الحكيم ان يمنع من طاعته حتى تقع المعصية، ثم يعاقب عليها.

(2) ديوانه 451 وتفسير الطبري 12 / 300 وسيبويه 1 / 253، 293 (3) سورة 54 القمر آية 49.
(٣٤٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 340 341 342 343 344 345 346 347 348 349 350 ... » »»
الفهرست