التبيان - الشيخ الطوسي - ج ٤ - الصفحة ٣٣١
واللام فيها يدل على أن الحسنة هي المأمور بها، ودخلا للعهد، والله لا يأمر بالمباح، لكان أقوى مما قاله، ويجوز أن يكون التفضل مثل الثواب في العدد والكثرة، ويتميز منه الثواب بمقارنة التعظيم والتبجيل اللذين لولاهما لما حسن التكليف. وإنما قلنا: يجوز ذلك لان وجه حسن ذلك: الاحسان والتفضل، وذلك حاصل في كل قدر زائد. وفي الناس من منع من أن يساوي التفضل الثواب في باب الكثرة. والصحيح ما قلناه أولا.
فان قيل: كيف تجمعون بين قوله " فله عشر أمثالها " وبين قوله " مثل الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله كمثل حبة أنبتت سبع سنابل في كل سنبلة مئة حبة " (1) وقوله " من ذا الذي يقرض الله قرضا حسنا فيضاعفه له أضعافا كثيرة " (2) ولان المجازاة بدخول الجنة مثابا فيها على وجه التأبيد، لا نهاية له، فكيف يكون ذلك عشر أمثالها، وهل هذا الا ظاهر التناقض؟؟!
قلنا: الجواب عن ذلك ما ذكره الزجاج وغيره: ان المعنى في ذلك ان جزاء الله على الحسنات على التضعيف للمثل الواحد الذي هو النهاية في التقيد في النفوس، ويضاعف الله عن ذلك بما بين عشرة اضعاف إلى سبعمائة ضعف إلى أضعاف كثيرة، ففائدة ذلك أنه لا ينقص من الحسنة عن عشر أمثالها، وفيما زاد على ذلك يزيد من يشاء من فضله واحسانه.
وقال قوم: المعنى من جاء بالحسنة فله عشر أمثال المستحق عليها، والمستحق مقداره لا يعلمه الا الله وليس يريد بذلك عشر أمثالها في العدد، كما يقول القائل للعامل الذي يعمل معه: لك من الاجر مثل ما عملت اي مثل ما تستحقه بعملك.
وقال آخرون: المعنى في ذلك ان الحسنة لها مقدار من الثواب معلوم لله تعالى فأخبر الله تعالى انه لا يقتصر بعباده على ذلك بل يضاعف لهم الثواب حتى تبلغ ذلك ما أراد وعلم أنه أصلح لهم، ولم يرد العشرة بعينها لكن أراد الأضعاف

(1) سورة 2 البقرة آية 261 (2) سورة 2 البقرة آية 245.
(٣٣١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 326 327 328 329 330 331 332 333 334 335 336 ... » »»
الفهرست