التبيان - الشيخ الطوسي - ج ٤ - الصفحة ٢٢
الثالث - للتجنيس نحو اجتنبوا الرجس من الأوثان - في قول الزجاج - وقوله " تناله أيديكم ورماحكم " يعني به فراخ الطيور وصغار الوحش في قول ابن عباس ومجاهد، وزاد مجاهد: واليض. والذي تناله الرماح الكبار من الصيد. قال أبو علي: معنى " تناله أيديكم ورماحكم " إن صيد الحرم يقرب من الناس ولا ينفر منهم فيه كما ينفر في الحل، وذلك آية من آيات الله. وقال الحسن ومجاهد: حرم الله بهذه الآية صيد البر كله. وقال أبو علي:
صيد الحرم هو المحرم بهذه الآية. وقال الزجاج: بين النبي صلى الله عليه وآله تحريم صيد الحرم على المحرم وغيره بهذه الآية، وهذا صحيح. وصيد غير المحرم إنما يحرم على المحرم دون المحل.
وقوله " ليعلم الله من يخافه بالغيب " معناه لعاملكم معاملة من يطلب أن يعلم، مظاهرة في العدل. ووجه آخر - ليظهر المعلوم، والأول أحسن.
واختار البلخي الوجه الثاني، قال والله تعالى وإن كان عالما بما يفعلونه فيما لم يزل، فإنه لا يجوز أن يثيبهم ولا يعاقبهم على ما يعلم منهم، وإنما يستحقون ذلك إذا علمه واقعا منهم على وجه كلفهم، فإذا لابد من التكليف والابتلاء.
وقوله " من يخافه بالغيب " يعني من يخشى عقابه إذا توارى بحيث لا يقع عليه الحس - في قول الحسن - تقول: غاب يغيب غيابا فهو غائب عن الحس، منه الغيبة وهي الذكر بظهر الغيب بالقبيح. وقال قوم: معناه من يخاف صيد الحرم في السر كما يخافه في العلانية، فلا يعرضون له على حال.
وقوله " فمن اعتدى بعد ذلك " يعني من تجاوز حد الله بمخالفة أمره وارتكاب نهيه بالصيد في الحرم، وفي حال الاحرام " فله عذاب أليم " أي مؤلم. قال البلخي: يجوز أن يكون ذلك في النار، ويجوز أن يكون غير ذلك من صنوف الآلام والعقوبات، قال سليمان " لأعذبنه عذابا شديدا " (1) يعني الهدهد ولم يرد عذاب النار.

(1) سورة 27 النحل آية 21.
(٢٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 17 18 19 20 21 22 23 24 25 26 27 ... » »»
الفهرست