التبيان - الشيخ الطوسي - ج ٤ - الصفحة ٢٠٣
واستعملوا في اطفاء نور من جاء بالكتاب سائر الحيل. ثم اخبر تعالى عن حال من فعل ذلك، فقال: " ولو ترى إذ الظالمون في غمرات الموت " وحذف جواب (لو) وتقديره: ولو ترى إذ الظالمون في غمرات الموت لرأيت عذابا عظيما وكل من كان في شئ كثير يقال له: غمر فلانا ذلك. ويقال قد غمر فلانا الدين معناه كثر، فصار فيما يعلم بمنزلة ما يبصر قد غمر وغطى من كثرته وقوله " والملائكة باسطوا أيديهم " معناه باسطوا أيديهم بالعذاب وقيل بقبض أرواح الكفار.
وقوله: " اخرجوا أنفسكم اليوم " يحتمل أمرين:
أحدهما - أن يكون تقديره يقولون: اخرجوا أنفسكم، كما تقول للذي تعذبه لأزهقن نفسك ولأخرجن نفسك، فهم يقولون لهم اخرجوا أنفسكم على معنى الوعيد والتهديد، كما يدفع الرجل في ظهر صاحبه ويكرهه على المضي بأن يجره أو بغير ذلك، وهو في ذلك يقول امض الان لترى ما يحل بك.
والغمرات جمع غمرة، وغمرة كل شئ كثرته ومعظمه، وأصله الشئ الذي يغمر الأشياء فيغطيها. وقال ابن عباس غمرات الموت سكراته، وبسط الملائكة أيديها فهومدها، وقال ابن عباس أيضا: البسط الضرب، يضربون وجوههم وأدبارهم وملك الموت يتوفاهم، وقال الضحاك: بسطها أيديها بالعذاب.
والثاني - أن يكون معناه خلصوا أنفسكم اي لستم تقدرون على الخلاص " اليوم تجزون عذاب الهون " اي العذاب الذي يقع به الهوان الشديد، والهون - بفتح الهاء وسكون الواو - من الرفق والدعة، كقوله " وعباد الرحمن الذين يمشون على الأرض هونا " (1) وقال الشاعر:
هونا كما لا يرد الدهر ما فاتا * لا تهلكن أسفا في أثر من ماتا (2)

(١) سورة ٢٥ الفرقان آية ٦٣ (٢) قائله ذوجدن الحميري. معجم البلدان (بينون واللسان (هون) والأغاني ١٦ / ٧٠ وسيرة ابن هشام ١ / ٣٩ وتاريخ الطبري ٢ / 180 وتفسير الطبري 11 / 541 وغيرها.
(٢٠٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 198 199 200 201 202 203 204 205 206 207 208 ... » »»
الفهرست