التبيان - الشيخ الطوسي - ج ٤ - الصفحة ١٠٠
الحقيقة جاز أن يقال لهم " أنظر كيف كذبوا على أنفسهم. قال البلخي:
ويدل على ذلك قوله " وضل عنهم ما كانوا يفترون " أي ذهب عنهم وأغفلوه، لأنهم لم يكونوا نظروا نظرا صحيحا ولم يجاروا في نظرهم الألف والعادة، فيعلموا في هذا الوقت أن قولهم شرك، ولو صاروا إلى العذاب لعلموا أنهم كانوا مشركين، واستغنوا بذلك، لكن هذا القول يكون عند الحشر. وقيل:
الجزاء بدلالة أول الآية. وقال مجاهد: قوله " أنظر كيف كذبوا على أنفسهم " تكذيب من الله إياهم.
وقال الجبائي: قولهم " والله ربنا ما كنا مشركين " اخبار منهم أنهم لم يكونوا مشركين عند أنفسهم في دار الدنيا، لأنهم كانوا يظنون أنهم على الحق، فقال الله تعالى مكذبا لهم " أنظر " يا محمد " كيف كذبوا على أنفسهم " في دار الدنيا، لا أنهم كذبوا في الآخرة، لأنهم كانوا مشركين على الحقيقة، وان اعتقدوا أنهم على الحق. وقوله: " وضل عنهم ما كانوا يفترون " أي ضلت عنهم أوثانهم التي كانوا يعبدونها ويفترون الكذب بقولهم: إنها شفعاؤنا عند الله غدا، فذهبت عنهم في الآخرة فلم يجدوها، ولم ينتفعوا بها.
وقال قوم: انه يجوز أن يكذبوا يوم القيامة للذهول والدهش، لأنهم يصيرون كالصبيان الذين لا تمييز لهم ولا تحصيل معهم - اختاره أحمد ابن علي بن الاخشاد. وأجاز النجار أن يكفروا في النار فضلا عن وقوعه قبل دخولهم فيها، وهذا بعيد. والوجهان الأولان أقرب.
وقيل فيه وجه آخر، وهو أنهم أملوا أملا فخاب أملهم ولم يقع الامر على ما أرادوا، لان من عادة الناس أنهم إذا عوقبوا بعقوبة فتكلموا واستعانوا وصاحوا فان العذاب يسهل عليهم بعض السهولة، وظنوا أن عذاب الآخرة كذلك، فقالوا: " والله ربنا ما كنا مشركين " وقالوا " ربنا ظلمنا أنفسنا " (1)

(1) سورة 7 الأعراف آية 22 (2) سورة 23 المؤمنون آية 107.
(١٠٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 95 96 97 98 99 100 101 102 103 104 105 ... » »»
الفهرست