شرح نهج البلاغة - ابن أبي الحديد - ج ٥ - الصفحة ١١٧
يا أهل المدينة، إنه لا تغنى عنكم صحة أبدانكم إذا سقمت قلوبكم، قد جعل الله لكل شئ سببا، غالبا عليه لينقاد إليه مطيع أمره، فجعل القلوب غالبة على الأبدان، فإذا مالت القلوب ميلا كانت الأبدان لها تبعا، وإن القلوب لا تلين لأهلها إلا بصحتها، ولا يصححها إلا المعرفة بالله، وقوة النية ونفاذ البصيرة، ولو استشعرت تقوى الله قلوبكم، لاستعملت في طاعة الله أبدانكم.
يا أهل المدينة، داركم دار الهجرة ومثوى الرسول صلى الله عليه وسلم، لما نبت به داره، وضاق به قراره، وآذاه الأعداء وتجهمت له، فنقله الله إليكم، بل إلى قوم لعمري لم يكونوا أمثالكم، متوازرين مع الحق على الباطل، مختارين الآجل على العاجل، يصبرون للضراء رجاء ثوابها، فنصروا الله وجاهدوا في سبيله، وآزروا (1) رسوله صلى الله عليه وسلم، واتبعوا النور الذي أنزل معه، وآثروا الله على أنفسهم، ولو كان بهم خصاصة فقال الله تعالى لهم ولأمثالهم، ولمن اهتدى بهديهم: (ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون). وأنتم أبناؤهم ومن بقي من خلفهم، تتركون أن تقتدوا بهم، أو تأخذوا بسنتهم، عمى القلوب صم الآذان، اتبعتم الهوى فأرداكم عن الهدى، وأسهاكم (2 عن مواعظ القرآن، لا تزجركم 2) فتنزجرون، ولا تعظكم فتتعظون، ولا توقظكم فتستيقظون، لبئس الخلف أنتم من قوم مضوا قبلكم!
ما سرتم سيرتهم، ولا حفظتم وصيتهم، ولا احتذيتم مثالهم، لو شقت عنهم قبورهم فعرضت عليهم أعمالكم لعجبوا كيف صرف العذاب عنكم! ألا ترون إلى خلافة الله، وإمامة المسلمين كيف أضيعت، حتى تداولها بنو مروان، أهل بيت اللعنة، وطرداء رسول الله، وقوم [من] (3) الطلقاء، ليسوا من المهاجرين ولا الأنصار ولا التابعين بإحسان! فأكلوا مال الله أكلا، وتلعبوا بدين الله لعبا، واتخذوا عباد الله عبيدا، يورث الأكبر منهم ذلك الأصغر، فيالها

(١) الأغاني: (وآووا).
(٢ - ٢) الأغاني: (وأسهاكم، فلا مواعظ القرآن تزجركم).
(3) من ج.
(١١٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 112 113 114 115 116 117 118 119 120 121 122 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 58 - من كلام عليه السلام لما عزم على حرب الخوارج وقيل له إن القوم قد عبروا جسر النهروان 3
2 بدء ظهور الغلاة 5
3 طرق الإخبار بالمغيبات 9
4 59 - من كلامه لما قتل الخوارج فقيل له يا أمير المؤمنين هلك القوم بأجمعهم 14
5 الكناية والرموز والتعريض وذكر مثل منها 15
6 الفرق بين الكناية والتعريض 59
7 مقتل الوليد بن طريف الخارجي ورثاء أخته له 73
8 خروج ابن عمرو الخثعمي وأمره مع محمد بن يوسف الطائي 74
9 ذكر جماعة ممن كان يرى رأي الخوارج 76
10 60 - من كلام له عليه السلام في الخوارج 78
11 عود إلى أخبار الخوارج وذكر رجالهم وحروبهم 80
12 مرداس بن حدير 82
13 عمران بن حطان 91
14 المستورد السعدي 97
15 حوثرة الأسدي 98
16 أبو الوازع الراسبي 102
17 عمران بن الحارث الراسبي 103
18 عبد الله بن يحيى والمختار بن عوف 106
19 خطب أبي حمزة الشاري 114
20 أخبار متفرقة عن أحوال معاوية 129
21 61 - من كلام له لما خوف الغيلة 132
22 اختلاف الناس في الآجال 133
23 62 - من كلام له في وصف الدنيا 140
24 63 - من كلام له في الحض على الزهد والاستعداد لما بعد الموت 145
25 عظة للحسن البصري 147
26 من خطب عمر بن عبد العزيز 150
27 من خطب ابن نباتة 151
28 64 من خطبة له في تنزيه الله سبحانه وتقديسه 153
29 اختلاف الأقوال في خلق العالم 157
30 65 - من كلام له كان يقوله لأصحابه في بعض أيام صفين 168
31 من أخبار يوم صفين 175