بشر به عيسى عليه السلام، ومبشرا برسول يأتي من بعدي اسمه أحمد، وهو يملك الأرض بأسرها، وقال ميسرة: يا محمد لقد جزنا عقبات بليلة كنا نجوزها بأيام كثيرة، وربحنا في هذه السفرة ما لم نربح من أربعين (1) سنة ببركتك يا محمد، فاستقبل خديجة، وأبشرها بربحنا، وكانت وقتئذ جالسة على منظرة لها، فرأت راكبا على يمينه ملك مصلت سيفه، وفوقه سحابة معلق عليها قنديل من زبرجدة، وحوله قبة من ياقوتة حمراء فظنت ملكا يأتي بخطبتها وقالت: اللهم إلي وإلى داري، فلما أتى كان محمدا وبشرها بالأرباح، فقالت: وأين ميسرة؟ قال: يقفو أثري، قالت: فارجع إليه وكن معه، ومقصودها لتستيقن حال السحابة، فكانت السحابة تمر معه، فأقبل ميسرة إلى خديجة وأخبرها بحاله، وقال لها: إني كنت آكل معه حتى يشبع (2) ويبقي الطعام كما هو، وكنت أرى وقت الهاجرة ملكين يظللانه، فدعت خديجة بطبق عليه رطب، ودعت رجالا ورسول الله صلى الله عليه وآله فأكلوا حتى شبعوا، ولم ينقص شيئا، فأعتقت ميسرة وأولاده وأعطته عشرة آلاف درهم لتلك البشارة، ورتبت الخطبة من عمرو بن أسد عمها.
قال النسوي في تاريخه: أنكحه إياها أبوها خويلد بن أسد، فخطب أبو طالب بما رواه الخركوشي في شرف المصطفى، والزمخشري في ربيع الأبرار، وفي تفسيره الكشاف، وابن بطة في الإبانة، والجويني في السير عن الحسن، والواقدي وأبي صالح والعتبي فقال:
" الحمد لله الذي جعلنا من زرع إبراهيم الخليل، ومن ذرية الصفي إسماعيل، وصئصئ (3) معد، وعنصر مضر، وجعلنا حضنة بيته، وسواس (4) حرمه، وجعل مسكننا بيتا محجوجا، وحرما أمنا، وجعلنا الحكام على الناس، ثم إن ابن أخي هذا محمد بن عبد الله لا يوازن برجل من قريش إلا رجح به، ولا يقاس بأحد منهم إلا عظم عنه، وإن كان في المال مقلا،