شرح أصول الكافي - مولي محمد صالح المازندراني - ج ٧ - الصفحة ٢٢٣
وسيرها من بلد إلى بلد وأمرها بقتل جمع كثير من صلحاء البصرة (1) عند دخولها فيها خوفا من اجتماعهم ومنعهم لها من التمكن فيها وعداوتها لعلي وفاطمة (عليهم السلام) (2) وقد صرحوا أيضا بعداوتها،

(1) قوله «وأمرها بقتل جمع كثير من صلحاء البصرة» ممن أمرت بقتله عثمان بن حنيف الأنصاري البدري عامل أمير المؤمنين (عليه السلام) على البصرة بعد أن منعه أصحابها من صلاة الصبح بالناس في مسجد البصرة حتى كادت الشمس تطلع، وصاح أهل المسجد ألا تتقون الله يا أصحاب محمد (صلى الله عليه وآله) وقد طلعت الشمس فتأخر عثمان بن حنيف فأسره أصحاب عائشة وضربوه حتى كاد يموت ونتفوا حاجبيه وأشفار عينيه وكل شعرة في وجهه ورأسه، وقالت عائشة لأبان بن عثمان: اخرج إليه واضرب عنقه فإن الأنصار قتلت أباك وأعانت على قتله، وهذا الكلام مستغرب منها إذ يدل على عدم علمها بالفقه وأحكام الشريعة وغلبة عادات الجاهلية عليها، لأن القصاص في الإسلام على مباشر القتل باتفاق الفقهاء لا على المعاون إن سلم أن الأنصار عاونوا قاتل عثمان بن عفان ولو كان عقوبة المعاون القتل لم يكن إعانتهم أكثر من إعانة عائشة وطلحة وزبير وأيضا لم يكن كل أنصاري مستحقا للعقوبة بإعانة بعض أهل قبيلته ثم إنهم خافوا من قتل عثمان بن حنيف ولم يقتلوه لأن سهل بن حنيف أخاه كان عاملا على المدينة وخشوا أن يوقع بهم إلا أن عائشة أرسلت إلى الزبير أن أقتل حراس بيت المال فجاء إليهم في جيش وأسرهم وذبحهم مع من كان في يده من الاسراء كما يذبح الغنم.
ثم أمرت بقتل جماعة من أصحاب حكيم بن جبلة من عبد القيس وهم ثلاثمائة لما أرادوا منابذتهم انتقاما لما فعل بعثمان بن حنيف فقتلوا جميعا ولما ورد عثمان على أمير المؤمنين (عليه السلام) بكى وقال: فارقتك شيخا وجئتك أمرد وقال بعضهم: إنها تابت بعد ما، انهزمت والله العالم. (ش) (2) قوله «وعداوتها لعلي وفاطمة (عليهم السلام)» قد يقال: إن هذه العداوة مما هو معهود بين النساء والضرات والاحماء، ولا تقدح في فضائلها وسائر كمالاتها فإنها أمر قلبي، ليس للإنسان فيه اختيار، ولا يكلف فيه بشيء فكما لا يلام أحد على محبة ابنه كذلك لا تلام امرأة على عداوة ضراتها وأحمائها وهو مسلم إن لم يترتب على العداوة الافعال الاختيارية التي يصح أن يكلف الإنسان بها كالخروج والقتل والضرب والشتم وكانت لرسول الله (صلى الله عليه وآله) أزواج لم يظهر منهن شيء من ذلك وأقوى ما يوجب الشبهة في أمرها الآية الكريمة في سورة التحريم: (إن تتوبا إلى الله فقد صغت قلوبكما وإن تظاهرا عليه فإن الله هو موليه) الآية، فإنها تدل على شيء في قلبها بالنسبة إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله) والصغوا الميل والانحراف.
وكان لها هوى مع قومها المعادين لرسول الله (صلى الله عليه وآله)، وكان إسلام من أسلم من تيم وأحلافهم نوعا من النفاق والتظاهر ورووا عنه (صلى الله عليه وآله) خطابا لها: «لولا قومك حديثوا عهد بالإسلام لهدمت الكعبة وجعلت لها بابين» وروى السهيلي في شرح السيرة كلاما عنها في خديجة وتضجرا من ذكر النبي (صلى الله عليه وآله) إياها فأجابها بأن خديجة آمنت بي وقومك كافرون وأعانت المؤمنين بمالها وكان قومك مكافحين معادين أو نحوا من ذلك ولولا أن هوى عائشة مع قومها لم يرجح خديجة عليها لأن خديجة أيضا من قريش وقومها من أعداء رسول الله (صلى الله عليه وآله)، ولم يكن من هذه الجهة فرق بينهما لو كان إيمانهما خالصا من شوب الهوى وفي درجة واحدة.
وضرب الله مثلا لعائشة وحفصة امرأة نوح وامرأة لوط فخانتاهما وأدرج في خلال القصة قوله: (يا أيها النبي جاهد الكفار والمنافقين واغلظ عليهم) الخ، ولا نريد بذلك رميها بالنفاق ولا قدحا في إيمانها على عهد رسول الله (صلى الله عليه وآله) أو في براءتها مما قذفت به على ما في سورة النور، كلا، فإن لها حرمة بحرمة رسول الله (صلى الله عليه وآله) ولكن لم يدع أحد فيها العصمة، وروي موادة من حاد الله عن غيرها من الصحابة مثل أبي لبابة كان من نقباء الأنصار والمؤمنين الأولين منهم الذين بايعوا النبي (صلى الله عليه وآله) في العقبة وقد روى ابن عبد البر في الاستيعاب أنه أشار إلى يهود بني قريظة أن لا يقبلوا حكم سعد بن معاذ فإنه سيحكم بالذبح، ونزل في حقه: (لا تخونوا الله والرسول وتخونوا أماناتكم) وربط نفسه بأسطوانة المسجد للتوبة حتى نزل قبول توبته. وكذلك كتاب حاطب بن أبي بلتعة إلى مكة يخبرهم بعزم رسول الله (صلى الله عليه وآله) على الخروج إليهم، وكان لعثمان هو في قومه تشفع مرارا فيهم عند رسول الله (صلى الله عليه وآله)، ولا يبعد من عائشة وحفصة هوى قومهما مع أن فيهم منافقين وكافرين ولا تضجر النبي (صلى الله عليه وآله) من تواطئهم على عدم إطاعة أهل بيت النبي (صلى الله عليه وآله) إن تأمروا على الانتقام من الأنصار الذين قتلوا صناديدهم ورؤساءهم والأخذ بثأرهم على عادة العرب قديما وحديثا فإن قريشا بعد أن أظهروا الإسلام كرها لم ينسوا قتلاهم في بدر واحد وغيرهما ولم يخرج ضغن رسول الله (صلى الله عليه وآله) وأنصاره أهل المدينة من قلوبهم وتصميمهم على أن لا يقبلوا إمارة أحد بعد رسول الله (صلى الله عليه وآله) إلا أن يتفرسوا فيه المساهلة والمسامحة معهم في الجملة كأبي بكر وعمر حتى يجدوا الفرصة، ولم يكن يخفى هذه الأمور منه (صلى الله عليه وآله).
وقد روى المفسرون في تفسير الحديث الذي أسره (صلى الله عليه وآله) إلى بعض أزواجه أنه إخباره بإمارتهما بعده، وروي ذلك في طرقنا أيضا عن الباقر (عليه السلام)، والمعقول من ذلك أنه لم يكن على وجه البشارة من الله والرضا منه (صلى الله عليه وآله).
بل على وجه الشكاية من المنافقين ولا يخفى على كل ملك وأمير حال اتباعه ونيتهم ومقاصدهم وخلوصهم في الخدمة أو عداوتهم باطنا وكيف برسول الله (صلى الله عليه وآله) وكان يأتيه الوحي وينظر بنور الله وقال تعالى:
(ولتعرفنهم في لحن القول) ولا يخفى أن تظاهرهما عليه (صلى الله عليه وآله) كان في هذه الأمور الهامة المتعلقة بمصالح المسلمين دينا ودنيا حتى يناسب قوله تعالى: (فإن الله مولاه وجبرئيل وصالح المؤمنين والملائكة بعد ذلك ظهير) وأمر العداوة مع الضرات والاحماء لا يجاوز صرف قلوب الأزواج عن المحبة أو كسر قصعة وإنكار رائحة لا يليق ذكر ولاية جبرئيل الملائكة وصالح المؤمنين في هذه الأمور التافهة. (ش)
(٢٢٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 218 219 220 221 222 223 224 225 226 227 228 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 باب فيما جاء أن حديثهم صعب مستصعب 3
2 باب ما أمر النبي (صلى الله عليه وآله) بالنصيحة لأئمة المسلمين واللزوم لجماعتهم ومن هم؟ 14
3 باب ما يجب من حق الإمام على الرعية وحق الرعية على الإمام 22
4 باب أن الأرض كلها للامام (عليه السلام) 34
5 باب سيرة الإمام في نفسه وفي المطعم والملبس إذا ولي الأمر 43
6 باب فيه نكت ونتف من التنزيل في الولاية 51
7 باب فيه نتف وجوامع من الرواية في الولاية 128
8 باب في معرفتهم أولياءهم والتفويض إليهم 137
9 باب النهي عن الإشراف على قبر النبي (صلى الله عليه وآله) 194
10 باب مولد أمير المؤمنين صلوات الله عليه 196
11 باب مولد الزهراء فاطمة (عليها السلام) 213
12 باب مولد الحسن بن علي صلوات الله عليهما 226
13 باب مولد الحسين بن علي (عليهما السلام) 231
14 باب مولد علي بن الحسين (عليهما السلام) 236
15 باب مولد أبي جعفر محمد بن علي عليهما السلام 240
16 باب مولد أبي عبد الله جعفر بن محمد عليهما السلام 245
17 باب مولد أبي الحسن موسى بن جعفر عليهما السلام 252
18 باب مولد أبي الحسن الرضا عليه السلام 273
19 باب مولد أبي جعفر محمد بن علي الثاني عليهما السلام 284
20 باب مولد أبي الحسن علي بن محمد عليهما السلام 296
21 باب مولد أبي محمد الحسن بن علي عليهما السلام 312
22 باب مولد الصاحب (عليه السلام) 335
23 باب ما جاء في الاثني عشر والنص عليهم (عليهم السلام) 357
24 باب في ذا قيل في الرجل شيء فلم يكن فيه وكان في ولده أو ولد ولده فهو الذي قيل 383
25 باب أن الأئمة كلهم قائمون بأمر الله تعالى هادون إليه (عليهم السلام) 384
26 باب صلة الإمام (عليه السلام) 386
27 باب الفيء والأنفال وتفسير الخمس وحدوده وما يجب فيه 389
28 فهرس الآيات 417