شرح أصول الكافي - مولي محمد صالح المازندراني - ج ٣ - الصفحة ٢٨٥
(بالحروف غير متصوت) (1) «غير متصوت» حال عن فاعل «خلق» (2) والجار متعلق بمتصوت يعني خلق الله سبحانه إسما والحال أنه لم يتصوت بالحروف ولم يخرج منه حرف وصوت لتنزه قدسه عن ذلك (وباللفظ غير منطق) بضم الميم وكسر الطاء من أنطق بالكلام إذا تلفظ به (وبالشخص غير مجسد) الجسد البدن، والمجسد من أكملت خلقته البدنية وتمت تشخصاته الجسمية (وبالتشبيه غير موصوف وباللون غير مصبوغ) (3) لاستحالة ذلك سبحانه (منفي عنه الأقطار) أي الأبعاد لاستحالة الامتداد والجسمية عليه (مبعد عنه الحدود) لامتناع التكريب والانقطاع والانتهاء عليه (محجوب عنه حس كل متوهم) لتعلق إدراك الحس بالجسم والجسمانيات وألله سبحانه منزه عن الجسمية ولواحقها (مستتر غير مستور) (4) أي مستتر عن

١ - قوله «قوله بالحروف غير متصوت» يعني أن الاسم ليس من باب الألفاظ، فإن قيل كيف يصح إطلاق الاسم على ما ليس بلفظ، وما مصحح المجازية فيه؟ قلنا مصحح المجازية فيه علاقة الدال والمدلول كما تقول: هذا لفظ قبيح، وهذا لفظ ركيك، أي معناه قبيح ومعناه ركيك وهذا كلام موهن أي معناه يوجب الوهن وفي القرآن «هذا كتابنا ينطق عليكم بالحق». (ش) 2 - قوله «حال عن فاعل خلق» قال الحكيم السبزواري (قدس سره): فيه بعد غاية البعد ولا سيما التنزيه عن الجسمية والكمية والكيفية وغيرهما ليس فيه كثير مناسبة بخلق ذلك الاسم ولا خصوصية له بل المتصوت والمنطق بصيغة المفعول والكل صفة الاسم على ما سنذكره انتهى.
أقول جعل الشارح هذه الصفات كلها لله تعالى أي خلق تعالى هذا الاسم وهو تعالى منزه عن الحرف والصوت وأن يكون جسدا يخرج منه الصوت وغير مشبه إلى آخر وهذا بعيد من الشارح (رحمه الله) إلا أن في بعض نسخ التوحيد للصدوق على ما حكاه المجلسي (رحمه الله) في مرآة العقول زيادة توجب إرجاع الصفات إلى الله تعالى، فيه هكذا «خلق اسما بالحروف وهو عز وجل بالحروف غير منعوت» لا ريب في زيادة قوله عز وجل من النساخ.
وأورد القاضي سعيد عبارة التوحيد هكذا «خلق اسما بالحروف غير منعوت» وجعل الفرق بينه وبين عبارة الكافي تبديل منعوت بمصوت وقال عبارة الكافي توجب إرجاع الصفات إلى الاسم وعبارة التوحيد إلى الله تعالى وكأنه لأن غير المصوت من صفات الاسم وغير المنعوت من صفات الله تعالى، والذي يظهر لي أن كل واحد منهما يمكن في نفسه أن يجعل صفة للواجب تعالى وللاسم أيضا لكن في هذا الحديث احتمال إرجاع هذه الصفات إلى الله تعالى بعيد غريب وأتعجب جدا ممن احتمله والصحيح الذي لا ريب فيه أنها صفات الاسم يعني أن الله خلق اسما هذا الاسم ليس ملفوظا ومتصوتا ومنطقا كالحروف ولا مصبوغا بلون ولا مقدرا بمقدار ومحسوسا بالبصر كنقوش الكتابة واصطلاح العرفاء في الاسم ذلك أيضا ويعدون الحروف الملفوظة اسم الاسم فالاسم اعتبار الذات مع صفة من صفاته ويدل على هذا المعنى روايات كثيرة ربما يأتي التنبيه عليها. (ش) 3 - قوله «باللون غير مصبوغ» يشير إلى الكتابة وكذا قوله «منفي عنه الأقطار - إلى قوله - محجوب عنه حس كل متوهم» لئلا يزعم أن نقوش الكتابة عين أسماء الله تعالى. (ش) 4 - قوله «مستتر غير مستور» هذا أيضا صفة لواجب الوجود عند الشارح وللاسم عند غيره، وبناء على كونها من صفات الاسم كما هو الحق يجب تشخيص معنى الاسم من التدبر في هذه الصفات فقوله بالحروف غير متصوت يدل على أن المراد بالاسم هنا ليس لفظه بل هو شيء غير الكلام والحروف ولا بد أن يكون من الحقائق الخارجية وقوله «بالشخص غير مجسد» دليل على أن هذا المخلوق غير جسماني بل موجود مجرد روحاني إذ الممكن لا يخرج عن هذين القسمين وكذلك أكثر ما ذكره بعده يؤكد عدم كونه جسما وقوله بالتشبيه غير موصوف يدل على عدم كونه عقلا أو نفسا إذ لو كان أحدهما لكان شبيها بهما إلا أن يدعي تبادر عدم التشبه بالجسمانيات وقوله «محجوب عنه حس كل متوهم» ينفي كل شيء يمكن توهمه أي تصوره كالنفس والعرض إذ لو كان اللفظ صوتا لم يحجب عن حس السمع ولو كان نفسا لم يحجب عن الإدراك مطلقا فإن النفس معقول للناس عامة فبقى أن يكون شيئا فوق العقل أو في مرتبة العقل الكلي والأول أظهر فإن العقل معقول أيضا ثم أن الشيء الذي فوق العقل بناء على ما سبق من أن العقل أو ما خلق الله لا يكون غير الله تعالى وصفاته فتحصل من جميع ذلك أن الاسم هنا هو الذات باعتبار صفة وتتكثر الأسماء بتكثر الصفات وليس تكثر الصفات والأسماء تكثرا حقيقيا لأن صفاته تعالى عين ذاته بل تكثرها تكثر اعتباري وعلى هذا فمعنى قوله (عليه السلام) خلق اسما ليس بمعناه المتبادر من إيجاد شيء مباين مفارق لذات واجب الوجود بل بمعنى استلزام الذات للصفات المستلزمة للأسماء نعم يصح نسبة الخلق بمعناه المتبادر إلى الأسماء باعتبار مظاهرها، وقال القاضي سعيد (قدس سره) أن هذه الصفات لا توجد إلا في العقل الأول الكلي فذلك الاسم عبارة عنه قال أستادنا في العلوم الدينية في جامعة الوافي الاسم دل على الذات الموصوفة بصفة معينة سواء كان لفظا أو حقيقة من الحقائق الموجودة في الأعيان فإن الدلالة كما يكون بالألفاظ كذلك يكون بالذات إلى آخره.
ثم قال القاضي ولك أن تحمل ذلك الاسم المقدس على الأمر النازل من المبدء الأعلى بظهور الصادر الأول بحيث يكون الصادر الأول مظهرا لذلك الأمر وعند محققي أهل العرفان بالوجود اللا بشرط وعند بعضهم بالمرتبة الواحدية وعند طايفة بمرتبة الألوهية وعند آخرين بالفيض الأقدس وبالجملة هو المعنى الذي يتحقق به الأشياء وهي تستفيده من المبدء الأعلى وهو حقيقة مجهولة. انتهى كلام القاضي.
وله تحقيقات رشيقة لا يسع المقام وأما صدر المتألهين (قدس سره) فبعد ما أمعن في معاني أوصاف هذا الاسم في الحديث قال فلم يبق في الاحتمال العقلي إلا أحد أمرين أما الوجود المطلق والفضل الرحماني أو العقل المفارق وكل منهما صالح محتمل في جليل النظر بصدق هذه النعوت والأوصاف عليه إلا أن دقيق النظر يرجع الأول بوجوه من الترجيح بعضها ذكر وعلم وبعضها سيظهر انتهى كلامه وهو أصل كل تحقيق لغيره.
(ش)
(٢٨٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 280 281 282 283 284 285 286 287 288 289 290 ... » »»
الفهرست